الثلاثاء 2021/06/01

آخر تحديث: 14:17 (بيروت)

قانون الاستثمار عند الأسد..طوق نجاة وهمي

الثلاثاء 2021/06/01
قانون الاستثمار عند الأسد..طوق نجاة وهمي
© Getty
increase حجم الخط decrease
دفعت جاذبية قانون الاستثمار الجديد الذي أصدره النظام السوري البعض إلى تخيّل وضع سوريا لو كان مثل هذا القانون الاستثنائي قد صدر قبل عام 2011 حين كان نظام الأسد يصر على "تطفيش" الكثيرين من رجال الإعمال ورؤوس الأموال، أو جعلهم تحت رحمة حيتانه أمثال مخلوف وشاليش وجابر والأسعد وغيرهم من مجموعة المستفيدين، الأمر الذي جعل الكثيرين من السوريين على حافة الفقر والتهميش ودفعهم للانخراط في الثورة على النظام عند اندلاعها.

ولكن نظام الأسد كعادته لا يأتي إلا متأخراً جداً، وتحديداً بعد خراب الأوضاع ومن هنا فلا عجب أن يصدر هذا القانون في ظل غياب اسم سوريا من خريطة الاستثمارات العربية والعالمية، وهذا ما أكده أحدث تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمارات.

ويأتي قانون الاستثمار هذا بشكله المشجع والاستثنائي، فيما الثقة في نظام الأسد معدومة، والمشهد الأخير للانتخابات يثبت أن قوانين النظام "الجميلة" في وادٍ والتطبيق في آخر، لأنه لا يمكن الاستثمار في اقتصاد يعاني من الدمار والخراب وانهيار البنى التحتية وعقوبات قيصر التي تحظر الكيانات والمؤسسات والشركات والمصارف العالمية من التعامل، فما الفائدة التي سيجنيها النظام السوري من الإصرار على إصدار قانون الاستثمار هذا؟

خدمة أمراء الحرب
ويؤكد الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى السيد في حديث لـ"المدن"، أن قانون الاستثمار الجديد تم تشريعه لخدمة طبقة أمراء الحرب لأن الوضع الأمني لن يشهد الاستقرار قبل بناء استقرار سياسي قائم على عدالة موثوقة للمجتمع الذي تم جرّه للدمار تحت شعار "الأسد أو نحرق البلد"، مضيفاً أنه "من الصعب خروج سوريا من دوامة العنف الاجتماعي حتى يتم تبديل هذا الشعار من طبقة النهب الوطني في سوريا".

ويرى السيد أن قانون الاستثمار الجديد يأتي في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية ل"محاولة كسر الإرادة الأميركية" بتشديد الإجراءات الاقتصادية على "منظومة النهب المتوحشة في سوريا". ويقول: "تبدي الإدارة الأميركية الجديدة مرونة أكثر تجاه عودة منظومة النهب في سوريا إلى ساحة التبادل الاقتصادي إذ أن عدداً من كبار أعضاء طبقة النهب في عهد الأسد الأب، قاموا باستثمار ما نهبوه في الولايات المتحدة، فيما اتجهت طبقة النهب في عهد بشار الأسد بشكل أكبر إلى أسواق الاستثمار في روسيا والنمسا وما كان يُعرف بأوروبا الشرقية سابقا وشرق آسيا فيما توجهت استثمارات أبناء المستشارة السياسية للأسد إلى الولايات المتحدة".

ويتابع السيد: "هنا يمكن فهم تصريح بثينة شعبان الشهير لقناة الميادين عندما قالت: أنا اجتمعت مع زملاء مسؤولين عن الاقتصاد السوري، وقالوا لي إن الاقتصاد السوري أفضل بخمسين مرة مما كان عليه في عام 2011". وأغلب الظن أن شعبان :كانت تتحدث عن استثمارات أبنائها بدقة إذ أن مؤشرات الاقتصاد السوري واضحة للسوريين ولكل المعنيين بالاقتصاد السوري و المراقبين و الدارسين".

ويضيف السيد "أما بالنسبة للمستثمرين الروس فان سوريا بالنسبة لهم ليست بلداً أمناً خلال جيلين قادمين على الأقل و لن يجرؤ أي إيراني على الاستثمار في سوريا لأجيال عديدة ما لم تقم إيران بالاعتذار للشعب السوري عن المجازر التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني و المنظمات الطائفية".

هل يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية!
صحيح أن القانون رقم 18 يعد من القوانين الجاذبة للاستثمارات حول العالم، لأنه من الناحية النظرية فعّال، أما من الناحية العملية فلا قيمة له على الإطلاق بسبب الدمار والخراب في البنى التحتية، والانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي والغياب الكلي للأمن والاستقرار.

لو صدر هذا المرسوم قبل العام 2011 لأصبحت سوريا من أهم الدول جذباً للاستثمارات والمشاريع. وعلى الرغم من استخدام القانون الإعفاءات المالية كعامل مهم لجذب المستثمرين، إلا أن قيمته الحقيقية في ظل الظروف الحالية تكاد تكون معدومة، ومن المستحيل الرهان على أن يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية وقانون قيصر مقابل الاستثمار في سوريا.

وحتى تاريخ صدور القانون رقم 18، كانت مرجعية الاستثمار في سوريا تتم وفق المرسوم رقم 8 لعام 2007 والذي فتح المجال لقيام مشاريع شوّهت الاستثمار واستنفذت الكثير من الموارد، كما ساهمت الكثير من المشاريع الاستثمارية في استنزاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.

يضاف إلى كل هذا أن قانون الاستثمار رقم 8، والذي أنهى العمل بالقانون الشهير رقم 10 لعام 1991، ألغى شرط التصدير، مع العلم أن الحاجة للاستثمار في القطاع الصناعي كانت بهدفين الأول تأمين حاجة السوق المحلية من السلع والثاني تأمين القطع الأجنبي عبر التصدير، كما تميز القانون رقم 8 بوجود العديد من العراقيل والبيروقراطية، على الرغم من وجود النافذة الواحدة الأمر الذي دفع العديد من المستثمرين إلى تقديم طلب إلغاء التراخيص واضطر البعض الآخر إلى إغلاق المنشآت بصمت.

لهذا على ما يبدو فإن اللجنة المكلفة من قبل النظام السوري بإصدار القانون الجديد رقم 18 قامت بدراسة عـميقة وقامت باستنساخ قوانين الاستثمار في كل من الدول التالية: مصر، الجزائر، الأمارات، البحرين، عـُمان، تركيا، قطر، العـراق، الأردن، المغـرب، ليبيا، السودان، لبنان، تونس، الكويت، السعـودية، واقتبست من قوانينها الإعـفاءات التي تقدّمها بعـض الدول

تراجع الاستثمار بنسبة 99%
في العام 2009 بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا حوالي 1400 مليون دولار، وبالرغم من هذه الأرقام إلا أن بياناته (أي الاستثمار الأجنبي) وصفت بعدم الدقة حيث كان يدخل إلى سوريا الكثير من الأموال بهدف استثمارها تحت اسم التحويلات.

وهنا يشير الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس ل"المدن"، إلى أن نسبة تراجع الاستثمارات في سوريا بلغت 99 في المئة خلال عشر سنوات من العام 2009 وحتى العام 2019، وذلك وفق بيانات وأرقام هيئة الاستثمار السورية التابعة النظام، حيث أشار التقرير الثالث عشر للاستثمار عن التكلفة التقديرية للاستثمارات خلال عام 2019، والتي قدرت ب193 مليار ليرة، ما يقارب 65 مليون دولار فقط، بينما وصل حجم الاستثمار خلال العام 2009 إلى حوالي 500 مليار ليرة سورية،، ما يقارب 10 مليار دولار، أي أن مؤشر نمو الاستثمار "سالب" ونسبة التباطؤ بلغت 0.0065 في المئة، وهذا ما تؤكده الأرقام التي تحدثت عن هجرة أكثر 100 مليار دولار من رؤوس الأموال إلى خارج سوريا.

ويخشى المراقبون أن يقوم النظام من خلال القانون رقم 18 بدعم نفوذ رجال الأعمال الجدد من فئة "أمراء الحرب" أو إطلاق ذراع حلفاء النظام بشكل أكبر، ولهذا ركز القانون الجديد على تشجيع المستثمرين لجهة حل نزاعاتهم بشكل ودي قبل اللجوء إلى القضاء، أو عبر مركز تحكيم لدى اتحاد غرف التجارة السورية للنظر في المنازعات  الناشئة عن الاستثمار.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها