الخميس 2021/04/15

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

النفط السوري..من الوفرة إلى جيوب العائلة الحاكمة

الخميس 2021/04/15
النفط السوري..من الوفرة إلى جيوب العائلة الحاكمة
© Getty
increase حجم الخط decrease
مجدداً النفط السوري في مرمى الخلافات أو العقوبات، حيث أعادت أزمة النفط والوقود الحالية في سوريا 2021، الأذهان إلى تصريحات لنائب رئيس مجلس الوزراء عبد الله الدردري في 2008 قال فيها إنه بحلول عام 2012 سينضب النفط السوري تماماً.

وبكل الأحوال لم تغير تصريحات الدردري السابقة من واقع النفط الشيء الكثير الذي كان اكتشافه نقمة على السوريين وليس نعمة لهم. مخاوف الدردري كانت نتيجة حتمية للتقشف والتحول الاقتصادي، ولكن هذه الكذبة تجاهلتها كل الشركات الأجنبية الشريكة في النفط والتي لم تنبس ببنت شفة، واستمرت بالإنتاج واكتشاف حقول جديدة.

منذ ثمانيات القرن الماضي استغل النظام العقوبات الاقتصادية لبيع النفط السوري في السوق السوداء، ويقدر بعض الخبراء إنتاج النفط السوري ب"مليون برميل" يومياً، إلا أن النظام لن يصرح في أحسن الأحوال سوى عن 600 ألف برميل. ولا يوجد أي وثيقة رسمية تظهر أين ذهبت عائدات النفط هذه.

صحيح أن العائدات النفطية شكلت ثلث عائدات الموازنة العامة للدولة، إلا أن النفط لم يكن حاضراً في الموازنات العامة بكامل قيمته. ويقدر الخبراء أن 65 في المئة من عائدات الميزان التجاري النفطي ذهبت إلى الجيب الخاص للعائلة الحاكمة، مقابل 35 في المئة فقط إلى الموازنة العامة.

90% تحت سيطرة الأميركيين
يؤكد المحلل والخبير الاقتصادي حسين العماش ل"المدن"، أن أزمة النفط والوقود الحالية في سوريا لم تختلف منذ استولى النظام السوري على خيرات هذا البلد، ويضيف أن "الأزمة هذه ليست ناجمة عن قلة موارد وإنما ناتجة عن قلة عقل وفساد وحقد لا يوصف، فهنالك كثير من دول العالم ليس لديها نفط، ولكنها بحسن الإدارة لا يعاني مواطنيها من أي أزمات طاقة".

ويبيّن العماش أن النفط في محافظتي دير الزور والحسكة (أي نحو 90 في المئة من حقول النفط في سوريا) تحت سيطرة الأميركيين وبإدارة حليفهم وحليف النظام "حزب العمال الكردستاني"، وقد حُرم منه عرب المنطقة ذاتها منه، عدا عن حرمان النظام منه بشكل رئيسي، إلا ما يُسرّب بطرق "سرية وخبيثة" بين الاثنين. ويقول: "إنه شيء مؤلم أن لا يستفيد السوري من نفط بلاده، ولكنها رب ضارة نافعة أن تُحرم القوة المتوحشة للأسد وإيران وروسيا من هذه النعمة حتى لا تُستخدم في قتل المزيد من السوريين".

ويلفت العماش إلى أنه "قبل الثورة كان النظام يسرق نحو 50 في المئة من عائدات النفط (حقول دير الزور والحسكة والرقة) لحسابات خاصة تُدار بمعرفة القصر الجمهوري  مباشرة وفقط، من خلال مكتب تسويق النفط، الموجود بجانب مكتب رئيس مجلس الوزراء والذي لم يجرؤ يوماً على الاستعلام منه عن أي شيء. كانت السرقة الرسمية تتم بطريقة متقنة وسرية".

ويستطرد أن الثورة السورية، أظهرت قدرة النظام السوري مالياً على الوفاء بمتطلبات حربه والتي لم تتأثر كثيراً، في الوقت الذي انقطعت فيه عائدات النفط كذلك العائدات الضريبية بنسبة تزيد عن 80 في المئة.

ويرى العماش أن طاقة إنتاج النفط الفعلية تراجعت كثيرا بسبب الدمار والإهمال وسوء الاستغلال خلال السنوات الماضية ، مشيرا إلى أنه "يمكن استعادة كامل الطاقة القديمة خلال ثلاث سنوات وعبر استثمارات ضخمة". وأضاف أنه من المتوقع ان تدخل نسبة لا تزيد عن 35 في المئة من طاقة حقول النفط في منطقتي حقلي العمر والتيم مرحلة الانتاج الفوري، بالإضافة إلى بعض حقول الغاز الصغيرة.

تأثير النفط على الاقتصاد
كان النفط أحد أعمدة الاقتصاد السوري الذي بدأ بتسجيل معدلات نمو قريبة من الصفر أو سلبية على مدى السنوات الماضية، والصادرات السورية كانت مدفوعة بارتفاع الصادرات النفطية وغير النفطية على حد سواء. وقُدرت كميات النفط السورية المستخرجة بحدود 600 ألف برميل يومياً في عام 2000. ويُقال أنها انخفضت إلى 450 ألف برميل يوميا عام 2010 حسب تسريبات حكومة النظام.

ويشير الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى السيد في حديث ل"المدن"، إلى أنه لا توجد أرقام دقيقة عن إنتاج النفط الخام في سوريا حالياً و"تقع غالبية حقول النفط المنتجة اليوم تحت سيطرة الإدارة الذاتية لقسد وأهمها حقل العمر والذي يعد من أكبر حقول النفط في سوريا رغم ما تعرض له من أضرار"، لافتاً إلى أن "أعمال الصيانة متواصلة للآبار مما يزيد إنتاجيتها شهراً بعد شهر ويُتوقع أن إنتاج الحقل اليوم يصل إلى 50 ألف برميل من النفط الخفيف يومياً".

ويتوقع السيد أن يعود مستوى إنتاج حقول الحسكة إلى 100 ألف برميل مع نهاية 2021 إذ أن حقول السويدية و الرميلان لم تتأثّر كثيراً خلال فترة الحرب، كما أن توقيع قسد عقداً لصيانة وتطوير آبار النفط في الحسكة مع شركة "Delta Crescent Energy LLC" الأمريكية، سيساعد.

ويوضح أن إنتاج الحقول النفطية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام و القوات الروسية والميليشيات الإيرانية، يصل إلى 20 ألف برميل يومياً من حقول دير الزور الجنوبية وحقول جنوب الرقة ومنطقة بادية تدمر. ويقول إن معظم النفط المنتج من الأراضي السورية خرج من دائرة الفعالية للاقتصاد السوري وأصبح يُصدر من قوى الأمر الواقع خارج البلاد باتجاه شمال العراق عبر منظومات النهب الدولية فيما يعاني السوريون من نقص الوقود الحاد.

وبخصوص مناطق التنقيب البحرية، ييدي السيد تشاؤماً من العقود الموقعة مع الشركات الروسية، قائلاً: "لا أمل أن تكون قابلة للتحقق ولو بالحدود الدنيا لأن العقود خلبية ومع شركات غير مؤهلة فنياً ولم تحفر بئراً بحرياً واحداً في تاريخها".

يُذكر أن حكومة النظام كانت قد قدرت في العام 2013 خسائر قطاع النفط السوري بأكثر من 5 مليارات دولار أميركي، وارتفع حجم هذه الخسائر إلى 55 مليار دولار وفق تقدير الخبراء حتى نهاية العام 2020. ومنذ أيام قال رئيس حكومة النظام إن حاجة سوريا من النفط يومياً تبلغ 200 ألف برميل تُنتج منها فقط 20 ألف.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها