الأربعاء 2021/02/24

آخر تحديث: 19:28 (بيروت)

هل يُنجز بوتين "السلام" بين إسرائيل والأسد

الأربعاء 2021/02/24
هل يُنجز بوتين "السلام" بين إسرائيل والأسد
علاقة بوتين مع الأسد "مختومة بالدم" (Getty)
increase حجم الخط decrease
نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية مقالا للكاتب روجر بويز، تناول فيه أدوار روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط، ولا سيما محاولته للتوصل لاتفاق بين النظام السوري وإسرائيل.
وقال بويز في مقال بعنوان: "هل يمكن أن يكون بوتين صانع سلام في الشرق الأوسط؟"، إن الكرملين يتعامل منذ أكثر من نصف قرن مع عائلة الأسد في سوريا، أولاً مع الأب حافظ ثم ابنه بشار. ووصف تلك العلاقة بأنها علاقة "مختومة بالدم"، مضيفاً: "ما من شك في أنه إذا أُطيح ببشار غداً فسوف يمنحه بوتين حماية، وربما يمنحه منزلاً ريفياً خارج موسكو ويخصص له من يتسوق نيابة عنه ويحيطه بفريق من الحراس المسلحين لحمايته من المحكمة الجنائية الدولية وأعداء آخرين".
واعتبر الكاتب أن العلاقات بين بوتين والأسد، وكلاهما في السلطة منذ عام 2000، لا تفسر تماماً الأحداث الغامضة الأخيرة. وقال إن "هناك عمليات توسعة تجري بوتيرة سريعة للقاعدة الجوية العسكرية الروسية في حميميم باللاذقية، وقد خصص النظام السوري في العام الماضي قطعة أرض إضافية حيث أُنشئ مدرج ثانٍ، تشير تقارير إلى أنه يمكن للقاذفات الاستراتيجية استخدامه".
وتضم قاعدة حميميم بالفعل وحدة تجسس متطورة تابعة للاستخبارات الروسية، وحظائر طائرات معززة لحماية عشرات الطائرات من هجمات الطائرات المُسيّرة، وتعدّ القاعدة المركز العصبي للدفاع الجوي السوري. وتساءل الكاتب: "من يحتاج إلى قاذفات استراتيجية في وقت تمر فيه الحرب الأهلية في سوريا بأهدأ فتراتها منذ عقد من الزمن؟".
وهناك لغز آخر، بحسب الكاتب، وهو وساطة بوتين لتبادل الأسرى بين النظام وإسرائيل، فقد تمت مبادلة راعيين سوريين بامرأة إسرائيلية استجوبتها المخابرات السورية بعد أن ضلّت طريقها إلى قرية درزية في الجولان في وقت سابق من الشهر.

وجاءت وساطة بوتين بمقابل سخي من إسرائيل، التي اشترت ما قيمته 1.2 مليون دولار من لقاح سبوتنيك الروسي ضد فيروس كورونا لتوزيعه في سوريا.

واعتبر الكاتب أن "السلام" وإن حلّ في سوريا، بين النظام وإسرائيل، فإن كل ذلك سيكون مقدمة لاستغلال البلد المتوسطي كقاعدة للتدخل في أزمات أخرى في المنطقة. وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه انتخابات الشهر المقبل، من المحتمل أن يرى جاذبية في انضمام سوريا إلى صفوف الدول العربية الأخرى التي تسعى إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل، وهذه ستكون خسارة مدمرة لماء وجه النظام الإيراني.
وبحسب الكاتب، يستطيع نتنياهو قراءة ما بين السطور، فالأسد غاضب من الوجود الإيراني المتهور ولم يعد بحاجة إليه، وقد سمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية بقصف وكلاء إيران في سوريا، وهذه إشارة بالتأكيد إلى أن بوتين يتعاطف مع انسحاب إيراني.

ويشير الكاتب إلى أن التدخل العسكري الروسي هو الذي أنقذ بشار الأسد في عام 2015، وهو ما ترك أثراً لدى الأنظمة العربية في كل مكان، وكذلك كان الأمر بتخلص روسيا المزعوم من أسلحة الأسد الكيميائية، فقد حفظ بوتين للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ماء وجهه، وحافظ على سلامة وكيله الدكتاتور.
وينقل بويز عن أحد مصادره في أوروبا الشرقية أنه لا تمر لحظة تتعلق بأزمات الشرق الأوسط، إلا ويستيقظ فيها بوتين ويفكر: "ماذا كان سيفعل يفغيني ماكسيموفيتش "بريماكوف" في هذا الموقف؟".
وكان المصدر يتحدث عن بريماكوف، المستعرب الماكر الذي خدم في التسعينيات كرئيس للمخابرات الروسية ووزيراً للخارجية ورئيساً للوزراء، الذي قال بعد نهاية الحرب الباردة إن "السؤال الأساسي لروسيا لم يكن ما إذا كانت ستصبح جزءاً من أوروبا أم لا، بل كيف تلتف على الهيمنة الأميركية وتواجهها".

وقال الكاتب إن "ذلك يعني إنشاء تحالفات عملية، ومنع تقدم الولايات المتحدة إلى ما يمكن اعتباره مجال نفوذ روسيا الطبيعي، وقبل كل شيء تحديد النقاط التي تغفل عنها واشنطن. وفي عهد بريماكوف، رسخت روسيا نفسها كمصدر كبير للأسلحة وركزت بشدة على تلك البلدان التي أزعجها وجود جيش بري أميركي ضخم في العراق".

ويستثمر بوتين دعمه العسكري للأسد بوجود دائم في سوريا، ليس فقط القاعدة الجوية والسيطرة على المجال الجوي، ولكن أيضا بالحصول على قاعدة بحرية في ميناء طرطوس.
وعندما يحل السلام في سوريا، ستطلب روسيا أن يكون لها دور أكبر في الأزمات المختلفة في شرق البحر المتوسط. وستتحدى موسكو طموحات تركيا بأن تكون القوة المسيطرة في الشرق الأوسط.
ويرجع الكاتب إلى بداية مساعي بوتين للعب دور صانع السلام في الشرق الأوسط، الذي يعود إلى عام 2007، عندما أرسل بريماكوف إلى دمشق ليرى إمكانية إرساء السلام في المنطقة بقيادة روسيا. وكان الأسد آنذاك يجري بالفعل محادثات حذرة مع إسرائيل بشأن مرتفعات الجولان بوساطة تركية. لم يتحقق أي تقدم وكان الجميع بمن فيهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يتزاحمون على سوريا، معتقدين أن الأسد يمكن أن يتحول إلى حليف للغرب وليس لروسيا.

لم ينتهِ هذا إلى أي شيء أيضا، لكن الفكرة لم تترك بوتين تماما؛ وكان يفكر: "ماذا لو أقنعت إيران بمغادرة سوريا وتنازلت إسرائيل بالمقابل عن مرتفعات الجولان؟"، وفق الكاتب.

ويوضح الكاتب أنه لو كان بريماكوف لا يزال على قيد الحياة لكان رفض هذا على الأرجح، وقال له: "انس الأمر، لماذا قد تتنازل إيران عن موطئ قدمها في سوريا؟ حتى لو عاد الحرس الثوري إلى إيران، فماذا عن حزب الله ووكلاء إيران؟ هل سيستسلمون حقا كجزء من صفقة تشمل تخفيف العقوبات وإحياء اتفاقها النووي؟ ليس في ظل حكم المرشد علي خامنئي".
 
أما بوتين، فإنه يشم فرصة سانحة، وهو ما يتضح كثيراً من الاجتماعات المختلفة التي عقدها مسؤولوه في قاعدته الجوية السورية، فالرئيس الأميركي الجديد جو بايدن يركز في الشرق الأوسط على إعادة إيران إلى الطاولة وإعادة الاتفاق النووي إلى مساره، وهذا سيؤكد التزامه بالكفاءة السياسية، لكن لا يمكن له أن ينزع بالكامل فتيل برميل البارود في المنطقة. وهذا يمثل فرصة، حتى لو ضئيلة، لـ"فلاديمير صانع السلام".

ويخلص الكاتب إلى أن بوتين يوسع دوره كلاعب قوي في الشرق الأوسط، مستغلا الفجوة التي خلفها انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وانفصال الولايات المتحدة، الذي بدأ في عهد باراك أوباما، وإهمالها للزعماء العرب وتركيزها على الصين، ترك مكانا شاغراً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها