السبت 2019/05/18

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

مسيحيو السقيلبية:يقصفوننا لأن النظام يحتمي بنا...ولأنهم يعتقدون أننا "نستحق"

السبت 2019/05/18
مسيحيو السقيلبية:يقصفوننا لأن النظام يحتمي بنا...ولأنهم يعتقدون أننا "نستحق"
(انترنت)
increase حجم الخط decrease
تعتبر السقيلبية ومحردة، من أكبر تجمعات المسيحيين في محافظة حماة. قبل الثورة، لا شيء فيها يذكر عن التوتر والخصام أو التباعد مع جيرانهم المسلمين، إذ لا مجال أصلاً لانقطاع التواصل بين الناس بحكم طبيعة التنوع في حماة، حيث يتجاور السكان في المدن وتتجاور قراهم وبلداتهم في الأرياف. لكن بعد قيام الثورة، استطاع النظام أن يصنع بعض الحواجز بين مسيحيي حماة وجيرانهم، بعدما حوّل السقيلبية ومحردة إلى نقاط تجمع لقواته، ومنطلقاً لضرب الريف الحموي الذي ثار ضده، وتجنيده بعض مسيحيي تلك المدن في مليشيات محلية رديفة لقواته، ومخاوف مركبة وزعت غالبية مسيحيي حماة ما بين صامت ومؤيد للنظام.

محطة لقوافل التعفيش

يقول أحد أبناء السقيلبية لـ"المدن": "التعفيش هو أول ما يقوم به عناصر الشبيحة والجيش بعد أن يبسطوا سيطرتهم على منطقة ما. كل ما يقع تحت يدهم، ويمكن الاستفادة منه وبيعه، يُعفّش". وفي المعارك الجارية، اللافت أن "التعفيش بدأ والاشتباكات لم تكن قد انتهت بعد تماماً، كما حصل في كفرنبودة".

وشارك بعض أبناء السقيلبية بالتعفيش بكل تأكيد، لكن المدينة لا تسجل مشاركة كبيرة بهذا الموضوع، و"أغلب الناس غير مرتاحة وقلقة من كل هذا".

ياسر، طالب جامعي، يقول: "المدينة هي محطة تستريح فيها وتعبر من خلالها قوافل التعفيش نحو الأسواق المخصصة لها في حماة وحمص واللاذقية أو بعض البلدات في ريف حماة. وقد أثار هذا الغضب، وأعلن البعض أن التعفيش هو سبب القصف الأخير الذي طال المدينة، ما دفع شخصيات حزبية وعسكرية إلى المسارعة لنفي أي علاقة للجيش والمليشيات بالتعفيش!".

النظام يحتمي بنا!

كمعظم مناطق النظام، تبدو مدينة السقيلبية مدينة صامتة، لا يستطيع أهلها التعبير عن رغباتهم وآرائهم. إلا أن وقوعها تحت سيطرة النظام فهذا يعني أن لا صوت يعلو فوق صوته.

لم يتوقع أهالي السقيلبية أن تمر عليهم أيام كهذه الأيام، فهي "أيام محنة على جميع السوريين أيضاً" يقول خمسيني من أهالي السقيلبية، ويضيف: "لم تكن لدينا مشكلة مع أحد. كانت السقيلبية مركزاً يأتي إليه كل الريف لقضاء أشغاله وإنجاز معاملاته الرسمية أو للتجارة والطبابة. ربما كان لنا بعض الخصوصية الدينية والاجتماعية كمسيحيين، ولكن كان الجميع يحترمها، ونحن لم نشعر يوماً أننا غرباء عن محيطنا بسبب ذلك. الآن تغيّر كل هذا".

ولكن لماذا تغير كل شيء؟ ما الذي حصل؟ يقول شاب من المدينة، لـ"المدن": "النظام يحتمي بنا. يخاطب العالم أنه يحمينا من متطرفي القاعدة. لكنه في الواقع ورّطنا وفتح علينا أبواب الموت". فمنذ سنوات والمعارضة في ريف حماة الشمالي تقصف السقيلبية رداً على قصف النظام لمناطقها، و"الحجة أنهم يقصفون قوات النظام في المدينة". يضيف الشاب: "كان البعض منا يتساءل: ماذا تفعل قوات النظام في مدينتنا؟ لطالما برر المؤيدون قصف النظام للمناطق المعارضة الآهلة بالسكان بحجة أن المسلحين يحتمون بالمدنيين، ولكن النظام أيضاً يحتمي بنا، وعندما نتعرض للقصف يقول: المتطرفون يقصفون المسيحيين!".

يقول شاب آخر: "المعارضة تقصف السقيلبية منذ سنوات لأنها تعتقد أننا نشارك بقصف مناطقها. من يقصفهم هم الجيش والشبيحة، كانوا يفعلون ذلك من حواجز معلومة لهم كحاجز النحل وغيره. لم تكن توجد مشكلة مع الجوار، ولكن الآن يقولون: المسيحيون يشاركون بقتلنا". ويضيف: "لا تفهم من كلامي أنني مؤيد للمعارضة، لا لست كذلك، ولا حتى للنظام، أنا فقط أشعر بالخوف وبالاختناق وأغلبنا كذلك".

لا توافق سلمى، على كل ما تقدم، فهي لا تتفق مع من يتكلم عن الانسجام قبل الثورة مع الجوار السُنّي، وترى أن "الاختلاف قائم بيننا وبينهم. ربما بالنسبة للكبار في السن، أي جيل أبي وجدي، لا توجد هذه المشكلة، هذا ما كنت ألاحظه. لكن بالنسبة للعديد من أبناء جيلي كان الأمر مختلفاً. كنا نشعر ونعي، نحن وهم، أننا مختلفون عن بعضنا البعض، نتبادل عبارات المجاملة حين نجتمع في العمل أو السوق أو ما شابه، لكن هذا كل شيء، فلكل منا عالمه وعلاقاته وأسلوب حياته المختلف عن الآخر. إننا لا نعرف بعضنا البعض".

وعما إذا كانت السقيلبية تتعرض للقصف لأن النظام يتمترس فيها، قالت سلمى: "ربما يكون هذا أحد الأسباب.. لكن أيضاً هم يقصفوننا لأنهم يرون أننا نستحق ذلك لكوننا لسنا معهم في حربهم. تستطيع أن تلاحظ هذا في الفيسبوك وغيره بعد كل قصف يطال مدينتنا، لقد رأيت هذا بعض القصف الأخير الذي طال مدرسة وكان الأطفال أبرز ضحاياه".

يحموننا؟ فكيف يحاصروننا ويقتلوننا؟

على الرغم مما رواه البعض عن علاقات اقتصادية لا تزال قائمة بين السقيلبية مع المناطق المجاورة الخارجة عن سيطرة النظام، إلا أنها محدودة لا يمكن أن تسد حاجات المدينة. وحتى وقت ليس بالبعيد، كان غرب المدينة هو المنفذ الوحيد الذي افترض الأهالي أنه أكثر أمناً لأنه لا يزال تحت سيطرة النظام ولم يشهد أي معارك أو تواجد للمسلحين.

لذلك، ومن أجل تسيير أحوالهم المعيشية، لجأ أهالي السقيلبية إلى الطريق الذي يصل بين مدينتهم والساحل السوري. ولكن الحصار زاد على أهل المدينة بعدما تبين لهم أن "حاميها حراميها". وبحسب أحد شبان المدينة: "بعدما اشتعلت بعض المناطق في ريف السقيلبية، لم يعد الريف مفتوحاً أمامنا كما كان، وضاقت أحوال الناس، ووجدوا في طريق الساحل ملاذهم".

لكن الواقع كان غير ذلك، فالحواجز المنتشرة كانت حواجز أمام لقمة عيش الناس، "لقد كان هناك أتاوات على كل شيء، كل السلع تخضع للأتاوة. والتاجر طبعاً سوف يعوض ما دفعه عبر رفع الأسعار. جميع الحواجز تفعل ذلك، لكن الأكثر جشعاً ووقاحة هي حواجز الشبيحة. كنا نشعر أننا محاصرون تماماً".

ولكن هل توقفت أفعال الشبيحة عند هذا الحد؟ يقول الرجل الخمسيني: "الشبيحة بلاء حقيقي، العديد من أبناء المدينة خطفوا من أجل فدية أو قتلوا بعد أن سلبوا طبعاً، وذلك على يد الشبيحة. معظم أهالي المدينة يعرفون من الفاعل ولكن لا حول لهم ولا قوة. الناس تخشى أن تصبح فاتورة الدم أكبر في حال طالبوا بالقصاص، أو أن تعم الفوضى فتستغل ذلك المجموعات المسلحة القريبة، ومعظمها مجموعات إسلامية. الإحساس بالأمان مفقود تماماً".

نتيجة لهذه التجاوزات فقد كان الشباب هم الأكثر تفاعلاً، "إذ ارتفعت أصوات بعضهم منددة بممارسات الشبيحة، وبالصمت الذي لاذ به أهل المدينة. ولكن غضبهم هذا لم يقترب من النظام. لقد رأى بعضهم أن المسيحيين هم الحلقة الأضعف في هذه الحرب، لذلك طالبوا بتأمين السلاح من أجل الدفاع عن النفس في وجه تجاوزات الشبيحة الذين لا يوجد من يردعهم، فالجيش يحمي المدينة من المسلحين، وينبغي على الأهالي أن يحموا أنفسهم من الشبيحة" بحسب ما قاله أحد الشبان لـ"المدن".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

مقالات أخرى للكاتب