السبت 2019/03/23

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

حين صارت أستانة "نور سلطان"..ولم تفقد مسارها السوري

السبت 2019/03/23
حين صارت أستانة "نور سلطان"..ولم تفقد مسارها السوري
(Getty)
increase حجم الخط decrease
صادق برلمان كازاخستان رسمياً على تغيير اسم العاصمة أستانة إلى "نور سلطان" تخليدا لاسم "رئيس البلاد الأول" و"أب الأمة" الديكتاتور نور سلطان نزارباييف، الذي حكمها طوال الأعوام الـ30 الماضية منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تغيير اسم العاصمة الكازاخية، وكذلك موقعها، خلال أقل من 60 عاماً. وكان نزارباييف قد اقترح تغيير اسم كازاخستان، في العام 2014، قائلاً إن مقطع "ستان" ينفر السائحين ويُبعد المستثمرين، مقترحاً اسم "كازاك الي" أي أمة الكزخ.

من ألماتا إلى أقمولا

وكانت السلطات الكازاخية قد قررت في العام 1994 نقل العاصمة من مدينة ألماتا الجنوبية، التي كانت تحمل هذه الصفة منذ العام 1929، إلى مدينة أقمولا وسط البلاد، وتغيير اسمها إلى "أستانة" التي تعني العاصمة.

والسبب وراء نقل العاصمة من ألماتا، هو موقعها الجغرافي الحدودي بالقرب من الصين، ما يجعلها معرضة للاجتياح الصيني كما كان عليه الحال إبان التوترات في فترة التسعينيات، بسبب خلافات حدودية لم تتم تسويتها قبل اتفاق العام 1998، إضافة إلى خلافات أخرى تتعلق باقتسام الموارد المائية. هذا عدا ما قيل حينها، عن كون المنطقة مهددة بالزلازل والمشاكل البيئية إضافة إلى استنفادها الطاقات على مواصلة النمو.

كما أن سعي نزارباييف لتحقيق توازن ديموغرافي قومي، قد يكون أحد أهم أسباب نقل العاصمة، لتشجيع الهجرة من مناطق جنوبية ذات أيد عاملة رخيصة، نحو مدن الشمال المتطورة صناعياً، وإشراك السكان الكازاخ في القطاع الزراعي والصناعي في مناطق وسط وشمال البلاد ذات النسبة الكبيرة من الناطقين باللغة الروسية، بحسب الصحافة الروسية.

من هذا المنظار، جاء نقل العاصمة إلى أقمولا كأحد الإجراءات الهادفة إلى "تعزيز وحدة البلاد والحيلولة دون تنامي النزعات الانفصالية"، التي كانت بوادرها تلوح في الأفق في بداية التسعينات.

ونقلت العاصمة رسميا في ديسمبر عام 1997، قبل أن يتغير اسمها من أقمولا، "القدس الأبيض" أو "الوفرة البيضاء"، إلى أستانة، التي أخذت تتطور بشكل سريع استجابة لمتطلبات مقامها الجديد وأصبحت ثانية أكبر مدينة في البلاد بعد ألماتا، وتجاوز عدد سكانها المليون نسمة عام 2017.

نزارباييف زعيماً للأمة

استقال نور سلطان نزاربايف، من مهامه كرئيس لكازاخستان،  ليصبح أبا وزعيماً للأمة، تدعمه قيادة "مجلس أمن" البلاد ورئاسة الحزب الحاكم. أي أن لدى نزاربايف كل أدوات القوة، الرسمية وغير الرسمية للاستمرار في الحكم.

وأشارت الصحافة الروسية إلى أن نزاربايف أسس كازاخستان المستقلة، "خلاف رغبته"، فقد كان أحد أولئك الذين عارضوا انهيار الاتحاد السوفياتي، بعدما كان سكرتير الحزب الشيوعي في كازاخستان لحظة انهيار المنظومة الشرقية.

نزارباييف قال في خطاب استقالته: "بصفتي مؤسسا لدولة كازاخستان المستقلة، أرى مهمتي المستقبلية في ضمان وصول جيل جديد من القادة الذين سيواصلون التحولات الجارية في البلاد".

فالصراع الشديد على السلطة بين العشائر المختلفة داخل المجتمع الكازاخستاني؛ واحتمال انضمام كازاخستان أو جزء منها إلى روسيا، هي أهم الأزمات التي تواجه كازاخستان الحديثة. لكن روسيا، مطمئنة طالما ظل نزارباييف على قيد الحياة.

نزارباييف قال في كلمة تلفزيونية مسجلة، إن قرار الاستقالة: "لم يكن سهلا". ونزارباييف، البالغ من العمر 78 عاماً، لم يواجه أي تحديات حقيقية لحكمه منذ توليه رئاسة كازاخستان.
وإبان فترة حكمه، ركز نزارباييف على الاصلاحات الاقتصادية بينما قاوم محاولات إدخال إصلاحات ديموقراطية على النظام السياسي في كازاخستان.

وكان نزارباييف الذي ولد في عام 1940 قد تسلم مقاليد الحكم باعتباره السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكازاخستاني عندما كانت البلاد جزءا من الاتحاد السوفيتي. وبعد الاستقلال، أعيد انتخابه في أعوام 1999 و2005 و2011 و2015 رئيسا للبلاد. ولم يواجه في هذه الانتخابات الا منافسة اسمية. وكان يفوز في كل انتخابات رئاسية بأكثر من 90% من الأصوات.

نزارباييف، بحسب "الجزيرة"، كان أعاد صياغة نفسه من قيادي شيوعي إلى رئيس مسلم معتدل، يمارس الشعائر الدينية وفي مقدمتها الحج. وانضمت بلاده إلى منظمة "التعاون الإسلامي"، واستضافت اجتماع وزراء خارجية المنظمة عام 2011. وانتهج سياسة خارجية دقيقة تقربه من الولايات المتحدة، ولا تبعده عن روسيا، التي صدّر لها النفط والغاز بأسعار تفضيلية، كما انضم إلى "الحرب الأميركية على الإرهاب".

اهتم الرجل بسياسة التكامل مع موسكو، عن طريق تأسيس الاتحاد الجمركي الذي تطور لاحقا إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بين روسيا وبيلاروسيا وكزاخستان وأرمينيا وقرغيزستان.

وسيبقى نزاربايف ممسكا بسلطات واسعة بفضل قانون أقر في مايو/آيار 2018 يمنح وضعا دستوريا للمجلس الأمني الذي كانت توصياته حتى الآن استشارية فقط، ويتيح القانون لنزارباييف ترؤس هذا المجلس حتى وفاته، وسيبقى أيضا رئيسا للحزب الحاكم. وسيضمن له لقب "أب الأمة أو زعيم الأمة" الحصانة القضائية ودورا نافذا في حال خلو مركز الرئاسة.

وسيظل نزارباييف محتفظاً بمقعد دائم في "مجلس الدفاع الأعلى" وبمنصب رئيس "الجمعية الوطنية" التي تجمع مختلف الأعراق والإثنيات في البلاد حسب الدستور الذي تم إقراره في استفتاء عام 2007.

توكاييف

وليس واضحاً من سيكون خليفة الرئيس المؤقت قاسم جومارت توكاييف بعد انتخابات نيسان/ابريل 2020، مع بروز اسم رئيس الوزراء الحالي عسكر امين، وابنة نزارباييف؛ داريجا التي أصبحت رئيسة مجلس الشيوخ خلفاً لتوكاييف.

وايا كان الخلف، فسيكون عليه مواجهة تململ اجتماعي متعاظم في بلد يضم 18 مليون نسمة وتبلغ مساحته أكثر من 2,9 مليون كلم مربعا. وتعاني البلاد منذ 2014 من تراجع اسعار المحروقات والازمة الاقتصادية لدى حليفتها روسيا التي أدت الى تراجع قيمة العملة الوطنية في كازاخستان. ودفعت هذه الصعوبات نزارباييف الى أن يقيل بشكل مفاجئ الحكومة، قبل شهر، بعدما انتقدها لعدم تنويعها الاقتصاد الذي استمر رهينة عائدات المحروقات. ووعد نزارباييف حينها باجراءات اجتماعية بقيمة مليارات من الدولارات للاستجابة للغضب الشعبي المتزايد.

مبدئياً، سيكمل توكاييف، رئيس مجلس الشيوخ سابقاً، باقي الفترة الرئاسية لنزارباييف التي تنتهي في نيسان/أبريل عام 2020. في حين تولت ابنة "زعيم الأمة" داريجا نزارباييفا، رئاسة مجلس الشيوخ، في مؤشر على تجهيزها لتصبح رئيسة البلاد مستقبلا.

ووُلد توكاييف، في مدينة ألماتا في العام 1953. وكان والده، كيميل توكافيتش توكاييف، كاتباً قازاقياً مشهوراً، فيما عملت والدته، تورار شاباربايفا، في معهد ألماتا التربوي للغات الأجنبية.
ويوصف توكاييف برجل الدولة والسياسي المحنّك، ويحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية، وتقلّد مناصب سياسية متعددة، كان أولها في وزارة خارجية الاتحاد السوفياتي السابق، عندما عمل ديبلوماسيا في سفارة موسكو لدى سنغافورة.

وإثر استقلال كازاخستان، عُيّن توكاييف نائبا لوزير خارجية بلاده، عام 1992، قبل أن يترأس الوزارة بعد عامين لخمس سنوات، ومنها إلى رئاسة الحكومة بين عامي 1999 و2002، ثم عاد لتولي وزارة الخارجية لخمس سنوات أخرى، ومنها إلى رئاسة مجلس الشيوخ.

إلى جانب لغة بلاده الأم، يتحدث توكاييف الروسية والإنكليزية والصينية، وكان من داعمي تحويل الكتابة في البلاد من الأحرف الكيريلية إلى اللاتينية، التي جرت نهاية العام 2018.
وقال توكاييف، بعدما أدى اليمين الدستورية رئيساً للبلاد، إنه سيواصل سياسات نزارباييف، وسيعتمد على آرائه في الأمور السياسية الرئيسية.

وأول ما اقترحه هو تغيير اسم العاصمة من آستانة إلى نور سلطان، في ما اعتبر تملقاً واضحاً، وإعلاناً بالولاء المطلق لنزارباييف.

داريجا

نزارباييف كان قد دمج حزبه "أرض الأجداد" مع حزب ابنته داريجا "حزب آسار" في العام 2006، وبات الحزب الجديد يحمل أسم "نور آتان"، ويعني شعاع أرض الأجداد، تكريما لنزارباييف لدوره في مسيرة البلاد. ويسيطر "نور آتان" على جل مقاعد الجمعية الوطنية.

وداريجا كانت الرئيسة السابقة للجنة العلاقات الخارجية والدفاع والأمن بمجلس الشيوخ، قبل تعيينها رئيسة للمجلس. وفي اقتراع سري لمجلس الشيوخ، المكون من 44 عضواً، صوّت الجميع لصالح داريجا.

وشكرت داريجا مجلس الشيوخ وقالت أنها ستعمل على "تحديث المجتمع وتعزيز الرفاه الاجتماعي وحماية الفئات الاجتماعية الضعيفة".

ونشر موقع eurasiademocracy.org الالكتروني تقريراً أشار فيه إلى أن داريجا استخدمت في عام 2003 جوازاً مزوراً باسم "داريجا علييفا" لفتح حسابات مصرفية بملايين الدولارات ومخططات لغسيل الأموال التي كانت ذات صلة مباشرة بـراخت علييف، زوج داريجا الذي توفي في عام 2015.

ووفقاً للبنك الدولي، فقد شهدت كازاخستان نموا ايجابيا في إجمالي الناتج المحلي سنويا منذ عام 1999. لكن التساؤل والأمر المثير للاهتمام هو: "ماذا لو لم تفقد البلاد مليارات الدولارات من ثرواتها بسبب الفساد"، حيث تشير التقديرات إلى فقد البلاد 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الأول من الاستقلال. ولولا ذلك لكان من الممكن أن تكون كازاخستان بوضع اقتصادي أفضل.

وتشير التقديرات إلى أنه ليس صدفة أن تفقد البلاد مليارات الدولارات في الخارج، ويتصدر صهر الرئيس وحفيده ومستشاره قائمة الأثرياء في البلاد في الوقت الذي تتحكم فيه الأسرة الحاكمة بأموال البلاد الخارجية.

وفي السنوات الأخيرة، أكد بروز أسماء مسؤولين من كازاخستان في الوثائق المسربة، أوراق بنما وبارادايس، "استغلال ثروات كازاخستان من الموارد الطبيعية من قبل المسؤولين" من بينها الكشف عن ثروة حفيد الرئيس، نورالي علييف، وهو ابن داريجا الذي كان نائب رئيسا لبلدية العاصمة أستانة، في الفترة من 2014-2016، إذ تم الكشف عن جزء من ثروته التي بلغت 200 مليون دولار في الخارج.

وترتبط ثروة داريجا شكل وثيق بثروة راخت، زوجها المتوفى، وبحسب التحقيقات، فإن أي ثروة تتعلق براخت، يرجع مصدرها إلى داريجا، التي لم تكن مستفيدة منه فحسب بل شريكته في تلك الثروات بحسب تقارير منفصلة حصلت عليها جهات قانونية رسمية دولية.

مسار "أستانة"

نائب وزير الخارجية الكازاخية مختار تليبردي، أكد أن مباحثات "أستانة" حول سوريا ستستمر تحت الاسم نفسه، رغم تغيير اسم العاصمة. وقال في مؤتمر صحافي إن "مسار أستانة" حول سوريا حصل على اسمه عبر جولات، لذلك سيستمر تحت نفس الاسم ونفس الشعار.

وأضافت الخارجية الكازاخية أن الجولة الـ 12 من "أستانة" ستُعقد في "نور سلطان" في 20 نيسان/أبريل 2019، مشيرة إلى أن التاريخ قابل للتعديل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها