الأربعاء 2018/08/15

آخر تحديث: 09:17 (بيروت)

شركات الاستيراد السورية: شهادة منشأ بنصف ساعة

الأربعاء 2018/08/15
شركات الاستيراد السورية: شهادة منشأ بنصف ساعة
من الصعب اثبات التورط بغسيل الأموال (Getty)
increase حجم الخط decrease
برزت خلال الحرب السورية أسماء شركات استيراد تحوّلت إلى المورد الأهم للمواد الاستهلاكية إلى السوق السورية. وتنوعت أعمال الإستيراد بين المواد الغذائية والأولية الكيماوية، وتجارة الورق والأدوية. وعكست حركة بوالص الاستيراد لبعض الشركات حجماً كبيراً مفاجئاً لأعمالها في ظل الحرب، في ظل الشك بقيامها بتزوير البيانات الجمركية وبوالص الاستيراد.

وتشير بيانات "مركز التجارة الدولي ITC"، (وكالة التعاون التقني لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة التجارة العالمية)، إلى أن قيمة المستوردات السورية بلغت 4.8 مليار دولار في العام 2017 مقابل 17.6 مليار دولار أميركي في العام 2010، أي بانخفاض قدره 73 في المائة. وقد شهدت حركة الاستيراد بعد العام 2013 تقلبات عكستها الساحة العسكرية الميدانية لصالح النظام أو ضده، فمثلاً بلغت قيمت المستوردات 7.4 مليار دولار أميركي في العام 2014، و5.3 مليار دولار في العام 2015.

وسيطرت على سوق الاستيراد شركات يجمعها أنها ما زالت خارج العقوبات الدولية. وقد يكون البعض منها يعمل فعلياً في المجال الضيق الآمن من العمل التجاري، ما يشكل لها حجم أعمال كبير حصري مقارنة بحجم الاستيراد المتراجع لسوريا.

شركة "نور التجارية"، بلغ مجموع بوالص استيرادها من الذرة الصفراء العلفية ما يعادل 9 ملايين يورو سنوياً تقريباً، أي 72 مليون دولار طيلة فترة الحرب. وعدا عن التساؤل عن مدى حاجة السوق السورية لاستيراد الذرة الصفراء العلفية بهذا الحجم، فإنها معروفة بتجارة الأسلحة، الذي استفاد من تسهيلات ائتمانية قاربت ملياري ليرة سورية لتمويل تسديد قيمة البوالص الواردة على حساب الشركة في "بنك سوريا والمهجر"، الشقيق لبنك "بلوم" اللبناني، حتى نهاية العام 2016.

ومن الشركات المحتكرة لتجارة السكر خلال الحرب "شركة المثنى للصناعة والتجارة المحدودة المسؤولية" العائدة لرجل الاعمال محمود زغيبي، والتي ظهرت في العام 2011 بعد اندماج أربع شركات؛ "مؤسسة اليمامة" و"مؤسسة المورد" و"مؤسسة البيادر" و"مؤسسة المثنى". وبلغت قيمة مستوردات "المثنى" من السكر بحسب البوالص التي اطلعت عليها "المدن"؛ Hd ما يقارب 75 مليون دولار أميركي. وهو رقم كبير إذا ما قورن بحجم استيراد السكر وفق "مركز ITC" في العام 2016 والتي بلغت 213 مليون دولار أميركي، إذ تُشكل مستوردات "شركة المثنى" فقط من السكر 30 في المائة من حجم الواردات من السكر.

ويثير ذلك أسئلة حول حجم العمل التجاري الفعلي لشركات الإستيراد السورية ورجال أعمال خلال سني الحرب، وإن كان ذلك ناجماً عن عمليات استيراد حقيقية تلبية لاحتياجات السوق السورية، أو عمليات استيراد وهمية. فقد تكون بعض البيانات الجمركية مزورة لتبرير عمليات شراء القطع الأجنبي عبر المصارف بأسعار أرخص من السوق المحلية وفق تسعيرة المصرف المركزي. وقد وصل الفارق بين سعر شراء الدولار في السوق السوداء وفي المصرف المركزي، في العام 2014، ما بين 5 وَ8 ليرات، لصالح "المركزي". والهدف من شراء الدولار بسعر مدعوم هو للمضاربة في السوق، واكتناز العملة الصعبة، أو تأمين القطع الأجنبي اللازم لشراء منتجات تخالف طبيعة النشاط التجاري المعلن للشركة، وربما لتمويل "الإرهاب"، أو تجارة الأسلحة.

اقتصادي في "مصرف الشام الإسلامي" قال لـ"المدن": "تتنوع مشكلة تزوير البيانات الجمركية وبوالص الاستيراد، فالبيان الجمركي يتضمن شهادة المنشأ والفاتورة وقائمة التعبئة. ومن المستندات المطلوبة لدى تمويل إحدى البوالص هو شهادة المنشأ والفاتورة ولا يتم التدقيق وقت التمويل على الشهادة الجمركية كونها سوف تصدر لاحقاً لدى دخول البضاعة، إذ يتم في غالب الأحيان تزوير شهادات المنشأ والفاتورة للحصول على تخفيضات في نسب الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع المستوردة لكن ذلك ينعكس على عملية تمويل البوالص".

وأضاف أنه من المفارقات التي تحصل في البنك: "لدى تدقيق المستندات يكون هنالك نواقص معينة مثل ختم غير واضح، أو خطأ في كمية البضاعة المستوردة أو قيمتها، فنرفض التمويل حتى يصحح الخطأ، ثم نتفاجىء بشهادة منشأ جديدة ومختومة أصولاً وصحيحة في وقت سريع جداً قد يصل أحياناً إلى نصف ساعة".

ويضيف المصدر: "نحن نتعامل مع الأوراق في تدقيق المستندات، وسياسة البنك معروفة في التعامل مع الشركات الروسية أو الحليفة لها، ونقبل المستندات حتى وإن حصل ذلك. فالورق أًصبح سليماً، لكننا ضمنياً نعلم أنه مزوّر".

تقدر كمية النقد الأجنبي الداخل إلى سوريا، عبر شركات لم تخضع للعقوبات الأوروبية والأميركية، بعشرات مليارات الدولارات. ولا يمكن الجزم إن كانت هذه الكمية من النقد تدخل العجلة الاقتصادية السورية الطبيعية، أم هي مخصصة لغايات غير تجارية؛ كاكتناز الثروة والتهرب الضريبي، رغم أن التهرب الضريبي أدرج كإحدى جرائم غسل الأمول، عبر "مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة غسيل الأمول FATF".

ويبقى أن هذا النوع من شركات الاستيراد مطلوب، إذ يعوّل عليه النظام في عملية إعادة الاعمار، لسهولة التداولات المالية الكبيرة التي تجري من خلالها. في حين إن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية/أوفاك" الأميركي، والاتحاد الأوروبي، إذ يرصدان تحركات الأموال الداخلة والخارجة إلى الحكومة السورية، لا يستطيعان دائماً أن يثبتا تورط الشركات في عمليات تمويل الإرهاب وغسل الأموال، خاصة إن كانت هذه الشركات تعمل عبر قنوات مالية ومصرفية معقدة وغير مرتبطة مع بعضها البعض بشكل مباشر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها