السبت 2018/12/08

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

المركزي السوري يتراجع: تسهيلات ائتمانية لتشجيع الإقراض؟

السبت 2018/12/08
المركزي السوري يتراجع: تسهيلات ائتمانية لتشجيع الإقراض؟
(Getty)
increase حجم الخط decrease
بدأ مصرف سوريا المركزي مرحلة جديدة، تتمثل بالتراجع عن قرارات سابقة قيّدت عمل القطاع المصرفي. مرحلة جديدة تبدو مصممة لأمراء الحرب، ورجال أعمال النظام وشركاتهم الجديدة.

"لجنة إدارة المصارف" التي يرأسها حاكم المركزي حازم قرفول، أصدرت قراراً يسمح للأشخاص الذين لم يستطيعوا تقديم وثائق توضّح كيفية استخدامهم للقطع الأجنبي المشترى في أعوام سابقة، بإجراء "تسوية" لدفع الفرق بالليرات السورية بمقدار 31 ليرة عن كل دولار، عن الفترة الممتدة بين نهاية العام 2012 ومنتصف العام 2013. القرار أعطى مهلة لـ"التسوية" حتى نهاية شباط/فبراير 2019. ويصب ذلك في صالح من تجاوز السقف المسموح لشراء القطع الأجنبي (10 آلاف دولار)، خاصة أن سعر صرف الدولار بلغ مع انتهاء العام 2012 حدود الـ100 ليرة، ليصل إلى 180 ليرة في حزيران 2013.

كما أصدر "مجلس النقد والتسليف" في سوريا القرار "رقم 172/م ن"، ليلغي بموجبه القيود المشددة المفروضة على التسهيلات الائتمانية المصرفية، سواء كانت موجهة لتمويل مواد استهلاكية أو الأعمال التجارية. وقد ألغى القرار "رقم 172/م ن"  قرارين سابقين يعودان للعام 2017؛ "القرار 28/م ن" و"القرار 52/م ن"، وبذلك فُتحت البوابة مجدداً أمام المصارف السورية لمنح القروض.

"القرار رقم 172/م ن" يأتي ضمن محاولة حكومية لتطمين المصارف الخاصة وتشجيعها على مباشرة الإقراض، رغم الفشل السابق خلال السنوات الماضية. ويحاول النظام بذلك التغطية على ضعفه وعدم قدرته على تأمين الأموال اللازمة لتخديم الكثير من القطاعات. ويُظهرُ ذلك حاجة النظام لرؤوس أموال المصارف، رغم تواضعها، وذلك لتحمّل جزء من العبء المالي المترتب عليه.

إلغاء القرارين "28" و"52" يتطلب تقديم ضوابط جديدة لمنح القروض والتسهيلات الائتمانية، وهو ما عبر عنه المصرف المركزي بأنه بصدد اصدار التعليمات التنفيذية لها قريباً. لذلك، يتوجب على المستفيدين انتظار ضوابط جديدة، ستكون على الأرجح أقل تحفظاً.

ماذا يعني إلغاء "القرار 28/م ن"؟
ما يميز الحساب الجاري المدين "السحب على المكشوف" هو مرونة استخدامه، إذ لا يوجد تاريخ استحقاق لتسديده، ويتم اقتطاع الفوائد المدينة على القيمة المستعملة منه فقط، ما يخفض من تكلفته على المستفيد. وهذا ما يطمح العديد من التجار، خاصة أنه يُجنّبهم التوقيع على سندات أو تعهدات أخرى للسداد.

ولم يعد الحساب الجاري المدين اليوم مرتبطاً بشرط تمويل رأس المال العامل، خاصة شراء مواد أولية وبضاعة، وبالتالي قد يسمح للتجار الذين يستخدمون هذا النوع من التسهيلات توسيع استخدامات التمويل والتي غالباً ستتوجه إلى شراء أصول كالعقارات والسيارات، أو المضاربة بالقطع الأجنبي.

وألغى القرار الجديد شرط إثبات ممارسة العميل لنشاطه التجاري لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. وعلى الرغم من احتمال وضع شرط جديد، لكنه على الأرجح سيفسح المجال للشركات الناشئة المحسوبة على رجال أعمال النظام الحصول على مثل هذا النوع من التسهيلات "الجاري المدين". وقد لوحظت كثافة بتأسيس هذه الشركات مع موجة ما يسمى مشاريع "إعادة الاعمار".

القرار ألغى ضرورة وجود حركة تدفقات مالية ناجمة عن النشاط التجاري أو الصناعي للزبون. وهنا، وفي حال وضع ضوابط جديدة أقل تحفظاً متوافقة مع فترة ممارسة الزبون لنشاطه التجاري أو الصناعي، سيسهل ذلك دخول الكثير من الأموال مجهولة المصدر في العجلة المصرفية السورية، في إعلان عن انطلاق مرحلة جديدة من عمليات تبييض الأموال.

كما يسمح قرار الإلغاء بحصول التجار مُجدداً على التسهيلات المصرفية "الجاري المدين" من مصارف متعددة عوضاً عن مصرف واحد. ويزيد هذا من مخاطر الائتمان بشكل عام على المصارف لصالح التجار.

"القرار 28/م ن" كان قد نظّم معياراً وسطياً لـ"رصيد المكوث" المثير للجدل، وهو وسطي رصيد الحساب الذي لم يطرأ عليه تغيير (سحب أو إيداع) خلال فترة زمنية معينة. وهناك أنباء ترجّح توصل حاكم مصرف سوريا المركزي حازم قرفول، إلى إلغاء شرط وسطي رصيد المكوث، ما يضيف نوعاً آخر من التسهيلات التي يفسحها المركزي للاقتراض، خاصة مع فشل تنفيذ مبدأ رصيد المكوث في عمليات الإقراض الشخصية التي حدثت في القطاع العام، وكان عائقاً واضحاً أمام تنفيذها.

ويسمح إلغاء القرار برفع قيمة التسهيلات بالجاري المدين خلال سنة من تاريخ منحها أو تجديدها، وذلك سيؤدي حتماً إلى ازدهار في أعمال التجار من ناحية القدرة على تغطية استثماراتهم، بغير أموالهم الخاصة بشكل أكبر.

وفي حال حصول تعثر في تسديد رصيد الحساب الجاري المدين، فإن القرار الجديد يعاود طرح إمكانية تحويل الجاري المدين إلى قرض بهدف الجدولة "التصفية"، أو إعادة هيكلته على شكل قرض. وهناك إمكانية لإعادة هيكلته (أي تعديل السقف والشروط) على شكل سندات لأمر المصرف، تمنح لمرة واحدة، لا على شكل أقساط شهرية.

ويتطرق إلغاء "القرار 28/م ن" إلى إعادة صياغة شروط تصنيف الجاري المدين، سواء كحساب ضعيف الحركة أو كديون غير منتجة، ما يساعد المصارف على التخفيف من المخصصات التي تحجزها لصالح هذا النوع من الديون، وبالتالي تخفف من أعبائها المالية.

الغاء "القرار 52/م.ن"
"القرار 52/م.ن" كان واضحاً ومتشدداً بمنع المصارف من الحصول على ضمانات، عقارية في الغالب، في المناطق "غير الآمنة وغير المستقرة". لذا، فإن إلغاءه يعطي الضوء الأخضر للمصارف للحصول على ضمانات عقارية في المشاريع الجديدة التي سيتم احداثها في المناطق "غير الآمنة"، والتي قد تكون مشاريع تخص شركات التطوير العقاري.

كما يسمح قرار الإلغاء بطرح بدائل جديدة حول نسب القروض الاستهلاكية من إجمالي التسهيلات المصرفية المباشرة ومن فائض سيولة المصارف. وعلى سبيل المثال، يجب ألا تشكل القروض الاستهلاكية والشخصية أكثر من 30 في المئة من إجمالي التسهيلات المصرفية المنتجة كل على حدة، وبذلك تظهر معطيات حول إمكانية رفع هذه النسب وبالتالي رفع المحفظة الائتمانية بشكل عام.

تمويل "إعادة الاعمار"؟
المصرف العام الوحيد المخول بتداول القطع الأجنبي وتمويل عمليات التجارة الخارجية هو المصرف التجاري السوري، الذي يرزح تحت العقوبات ما حجّم دوره. لذا، فالمصارف السورية الخاصة مطالبة من قبل "الحكومة" بالمشاركة الفعالة في عملية انعاش الاقتصاد، و"إعادة الاعمار". ولم يلقَ ذلك صدى من المصارف الخاصة، أثناء ولاية الحاكم السابق دريد ضرغام. البيانات المالية الصادرة عن المصارف الخاصة، أظهرت مؤخراً تراجعاً عاماً في صافي الدخل لثمانية مصارف من أصل 14. في حين حققت أربعة مصارف منها خسائر واضحة بلغت قيمتها الاجمالية حوالي 2.3 مليار ليرة سورية. حوالي 52 في المئة من قروض المصارف السورية هي ديون غير منتجة، وتتجه نحو الجدولة أو الشطب، ما رفع من المخصصات المقتطعة من الأرباح لمواجهة مخاطر هذه الديون. القرار الجديد يصب في مصلحة بعض المصارف لإعادة جدولة ديونها المتعثرة بهدف التصفية.

وعلى الرغم من أن المصرف المركزي يسعى لاشراك المصارف في تمويل عملية "إعادة الاعمار"، إلا أن حجم المصارف الصغير نسبياً في سوريا لا يرجح دوراً كبيراً لها. كما أن دورها كوسيط مع المصارف الكبيرة خارج سوريا يحمل لها مخاطر العقوبات، ما يضعف من تأثيرها في العمليات التي تريدها الحكومة.

على الرغم من ضعف مستقبل التمويل المصرفي في سوريا بشكل عام، وتواضع حجم مساهمته في مرحلة "إعادة الإعمار"، إلا أن النظام يسعى جاهداً لإعطائه دوراً بالحد الأدنى. فالقروض الشخصية قد تخفف بعض الاحتقان الشعبي، والقروض التجارية ستكون وسيلة لرجال أعمال النظام في تسويق أعمالهم وبيعها، في ظل ضعف السيولة والقدرة الشرائية للسوريين عموماً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها