الإثنين 2018/06/18

آخر تحديث: 16:28 (بيروت)

رمضان في عفرين: تناقضات التركيبة السكانية المتغيرة

الإثنين 2018/06/18
رمضان في عفرين: تناقضات التركيبة السكانية المتغيرة
لم تعرف عفرين طقوساً إسلامية قبل سيطرة قوات المعارضة عليها (عنب بلدي)
increase حجم الخط decrease
لم تشهد مدينة عفرين سابقاً طقوساً دينية متناقضة مثلما حصل في رمضان الحالي، بتأثير اختلاف تركيبتها السكانية بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها. فقد خسرت المدينة طابعها الكردي السائد، وتحولت إلى خليط سكاني لمهجرين من مختلف المحافظات السورية، بعدما هرب معظم الأكراد منها خلال معركة "غصن الزيتون" التي انتهت بسيطرة فصائل المعارضة المدعومة تركياً عليها في آذار/مارس.

وتعثرت عودة معظم الأكراد بسبب إغلاق حزب "الاتحاد الديموقراطي" طرق العودة أمامهم، بالإضافة الى تدقيق الجيش التركي الأمني عليهم، خوفاً من تسلل خلايا تابعة للحزب معهم. وبعدها سمح الجيش التركي وفصائل المعارضة لعائلات مقاتلي فصائل المعارضة المُهجّرين، وأغلبهم من عشائر الشرق السوري بالإضافة الى مُهجري ريف دمشق وريف حمص وحلب، بالسكن في منازل عفرين المهجورة.

لم تعرف مدينة عفرين طقوساً إسلامية قبل سيطرة قوات المعارضة عليها، إذ لم تكن تضم سوى أربعة مساجد كانت تخلو تقريباً من المصلين خلال فترة سيطرة حزب "وحدات حماية الشعب" الكردية عليها. وبعد طرد المقاتلين الأكراد منها كان مفترضاً أن يغلب عليها طابع الالتزام الديني، مع نزوح عناصر المعارضة والمهجرين من المسلمين السنّة إليها. وكان يفترض أن تشهد المدينة أجواءً رمضانية مميزة يضفيها سكانها الجدد الأكثر التزاماً بحسب عاداتهم وتقاليدهم.

إلا أن كثيرين من السكان الجدد جاؤوا المدينة بقصد التجارة، فافتتحوا محال المأكولات والمشروبات والمحال التجارية. واستقبلت المطاعم الزبائن خلال ساعات النهار في رمضان، وبدأت المنافسة بينها في شهر الصيام سعياً لاجتذاب المُفطرين ومعظمهم من عناصر قوات المعارضة. وتسبب ذلك بتغيير الصورة الرمضانية العامة للمدينة، بفعل عربها أكثر من أكرادها.

القوات الكردية كانت قد اتهمت مراراً فصائل المعارضة السورية المسيطرة على عفرين، بأنها إسلامية مرتبطة بـ"داعش" و"هيئة تحرير الشام". الواقع كان مغايراً، وبات معظم عناصر الفصائل يتباهون بإفطارهم في الشوارع، واستماعهم للأغاني الصاخبة في سياراتهم ودراجاتهم النارية. وسُجّلت تجاوزات شرعية أكبر من ذلك، ربما استمدت شرعيتها أو قانونيتها من مصطلح الأمر الواقع أو ما يسمى في العلوم الإسلامية بـ"ولاية المتغلب".

ويتوزع الأكراد بانتماءاتهم الدينية بين السنة والشيعة والأزيدية والعلوية واللادينية، وكان يصعب تمييز مذاهب المقيمين في عفرين بسبب تشابه العادات والتقاليد وتوحد لغتهم المحكية. ورغم تحرر الأكراد في العادات والتقاليد، كالاختلاط بين الذكور والإناث، وارتداء اللباس "غير الشرعي" بنظر الإسلاميين، إلا أن كثيرين منهم حاولوا الالتزام بالصيام مجاراة لجيرانهم الجدد، أو كعبادة اعتادوا أدائها في رمضان.

سكان المدينة الجدد، لم يلتزموا الصيام، بشكل علني، خاصة من عناصر الفصائل المتهمة أصلاً بالسطو على أملاك المدنيين. ومن المفترض من ناحية الانتماء الديني والعادات والتقاليد أن يكون عناصر فصائل المعارضة أكثر التزاماً شرعياً بتطبيق العبادات من الأكراد. على العكس من ذلك، كان لافتاً انتظار النساء الكرديات غير المحجبات، على شرفات منازلهنّ، للآذان، لمعرفة مواقيت الإفطار والسحور. هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير في رمضان الأخير، مقارنة بالأعوام السابقة.

من جهة أخرى، كان مهجرو الغوطة الشرقية في عفرين، والذين يتجاوز عددهم 7 آلاف عائلة، الأكثر تأثيراً في المظهر العام للمدينة، ولهم الدور الأبرز في إظهار الطقوس الرمضانية في شوارعها. فكانت تنشط حركتهم التجارية والتسوقيّة آخر ساعات النهار، وقد افتتحوا عشرات المحال التجارية والبسطات، مثل التي كانت تنتشر في الغوطة الشرقية، لبيع شراب السوس والتمر هندي وقطع الثلج الصلب والمأكولات الرمضانية بالإضافة لارتدائهم الزي العربي التقليدي. مهجرو الغوطة أحدثوا مساجد صغيرة "مصليات" ورفعوا الآذان فيها، وأقاموا الصلوات خاصة التراويح في أحياء كانت تخلو من المساجد، ولم يسمع الآذان فيها من قبل.

وكانت أوساط الأكراد قد استاءت بشدة عندما طبع عناصر أحد الفصائل العسكرية في منتصف رمضان، لافتات طرقية في شوارع عفرين، تضمنت دعوة النساء الكرديات لارتداء الحجاب الشرعي والاحتشام وارتداء الملابس الفضفاضة. وقد صمم تلك اللافتات "مركز إضاءات" المتخصص في مجال الطباعة، والذي اتهمته القوات الكردية بالارتباط بـ"هيئة تحرير الشام" بعدما طبع سابقاً لافتات مشابهة في محافظة إدلب. ووجهت الفصائل الكردية على إثر ذلك اتهاماً لفصائل المعارضة، بالسعي إلى تحويل عفرين إلى قندهار ثانية. وفي اليوم ذاته، أزال مدنيون أكراد بعض تلك اللافتات، بشكل سري، في حين استكملت الشرطة العسكرية التابعة للمعارضة إزالة اللافتات المتبقية في الشوارع بتوجيه من رئيس المجلس المحلي زهير حيدر، الذي قال حينها: "قرار نشر تلك اللافتات مخالف قانوناً ولم يتم استشارة المجلس المحلي أو الحصول على الموافقة لنشرها".

أبو آرام، من أكراد عفرين، قال لـ"المدن": "نحن كأكراد نتمنى من الفصائل العسكرية أن تعمل على تحسين الوضع الأمني وإيقاف التجاوزات بحقنا، قبل أن تدعو نساءنا للالتزام بالحجاب الشرعي. الإنسان يهتدي إلى الدين من أفعال المتدينين، لا من أقوالهم"، وأضاف أن لباس النساء الكرديات هو جزء من العادات والتقاليد ولا يرتبط بأي بعد أو توجه ديني.

تزايد أعداد العرب في مدينة عفرين مؤخراً، خاصة من مهجري الغوطة الشرقية، وتجول النساء المنقبات في شوارع المدينة، تسبب بتغيير السمة العامة للعنصر النسائي، فطغى الزي الشرعي عليها، ما أحرج النساء الكرديات ودفعهن بشكل غير مباشر لوضع غطاء على الرأس، غالباً ما يكون شكلياً، كي لا يكن طفرة بين جموع المنقبات. كما انتشرت حلقات المساجد وأطلقت دورات تحفيظ القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية للذكور والإناث. وشهدت مساجد المدينة ازدحاماً كبيراً بالمصلين، خاصة في صلاة الجمعة والتراويح، ومعظم روادها من السكان الجدد. وقد تأثر الأكراد بذلك بشكل ملموس وبدأوا بارتياد مساجدهم بعدما كانت شبه مهجورة إبان فترة سيطرة حزب "الاتحاد الديموقراطي" وذراعه العسكرية "وحدات الحماية"، إذ كان يحظر تحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها