الأربعاء 2018/05/02

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

الجنوب الدمشقي: حان موعد التهجير القسري

الأربعاء 2018/05/02
الجنوب الدمشقي: حان موعد التهجير القسري
بانتظار حافلات التهجير (Getty)
increase حجم الخط decrease
يستعد الآلاف من الثوار والأهالي المُحاصرين جنوبي العاصمة دمشق، لركوب حافلات التهجير القسري، خلال اليومين المقبلين، بعد اتفاق عُقد في 29 نيسان/إبريل، بين "لجنة التفاوض" الممثلة لفصائل "جيش الإسلام" و"جيش الأبابيل" و"لواء شام الرسول" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" و"فرقة دمشق"، مع نظام الأسد، برعاية روسية، ويقضي بخروج رافضي "المصالحة الوطنية" من مقاتلين ومدنيين باتجاه الشمال والجنوب السوري. ويتوقع انطلاق أول قافلة من المُهجّرين قسرياً، الخميس، وسط عمل آليات محافظة دمشق على إزالة الركام من دوار الجمل في بيت سحم وصولاً إلى طريق مطار دمشق الدولي، تجهيزاً لدخول أولى الحافلات.

وحالت عراقيل ميدانية وأخرى متعلّقة بالجانب الروسي، دون بدء عملية التهجير الثلاثاء، كما كان مخططاً له. كما أن استهداف المليشيات الشيعية المتمركزة في حي الأندلس شمالي بلدة بيت سحم، والملاصق لطريق مطار دمشق الدولي، للآليات التابعة لمحافظة دمشق التي تعمل على إزالة الركام وتنظيف الطريق لخروج الحافلات، بالأسلحة الخفيفة، صباح الإثنين، كشف عن وجود مشاكل داخلية في حلف النظام. ويبدو ذلك مرتبطاً بالتنغيص الإيراني، في محاولة لتحصيل مكتسبات من اتفاق فصائل الثوار والجاب الروسي، وقد يكون باتجاه السعي لإخراج قسم من محاصري كفريا والفوعة الشيعيتين في إدلب. آليات المحافظة عاودت صباح الأربعاء العمل على تجريف وتنظيف الطرقات التي ستستخدمها حافلات التهجير القسري.

العدد الكلّي للراغبين بالخروج من المنطقة، بلغ 17 ألف شخص، بحسب القوائم المسجّلة، إلا أن الرّقم غير نهائي، بسبب تخبط مئات الشبان من أبناء بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، وعدم اتخاذهم قراراً حاسماً بالخروج أو البقاء، مع رجحان كفّة البقاء، لأسباب منها الخوف من المصير المجهول في الشمال السوري، والمصاعب المادية الكبيرة التي قد تواجه المهجّرين، وعدم تقبّل فكرة الخروج من بيوتهم وأرضهم إلى الخيم ومراكز الإيواء، إضافة الى الرغبة باستنفاذ مهلة الشهور الستة الممنوحة ضمن الاتفاق، قبل البحث عن حل نهائي. وهذا لا يلغي رغبة البعض بالعودة إلى كنف النظام والقتال ضمن صفوفه، كما شهدت مناطق "المصالحات" جميعها.

وقد يكون أحد أهم العوامل هو الدور الأبوي الذي يمارسه شيوخ الدين والوجهاء في البلدات الثلاث، الذين قرّروا البقاء في المنطقة، ودعوتهم الشبان للبقاء، مع وعود بتحصيل امتيازات إضافية على الاتفاق، من خلال علاقتهم الطويلة مع "فرع الدوريات" التابع لـ"شعبة الأمن العسكري"، المسؤول عن ملف المنطقة. هذا، عدا عن الرغبة في البقاء ككتلة واحدة قوية وكبيرة، ما قد يعقّد على النظام إمكانية اختراقها وإضعافها، ومن ثم دفع هذا العقد للانفراط، ما يقلّل من خياراتها الجماعية على حساب البحث عن بدائل شخصية لأفرادها. ويؤخذ بالحسبان العامل الطائفي في المعادلة، حيث تجاور البلدات الثلاث "السنية"، مدينة السيدة زينب معقل المليشيات الشيعية في سوريا، وبالتالي تطفو على السطح فكرة الحفاظ على سنيّة المنطقة، مقابل موجات التشيّع، ومشروع "ضاحية دمشق الجنوبية"، والتخوّف من تمدّد التأثير الشيعي من السيدة زينب إلى محيطها، ما يستدعي ضرورة الوجود السني الفاعل نسبياً، للحد من ظاهرة التشيّع المحتملة، والتي قد تحتاج سنين طويلة.

وتشكّل كتلة أبناء الجولان وفلسطينيي مخيم اليرموك، وأبناء درعا وبقية المحافظات، النواة الرئيسية للمهجّرين قسرياً من جنوب دمشق، خاصّة بعد خسارتهم أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن، منذ سيطرة تنظيم "داعش" عليها عام 2015، وصولاً إلى انحسار فكرة العودة لتلك الأحياء، بعد العملية العسكرية الشاملة لنظام الأسد منذ 19 نيسان/أبريل. الحملة العسكرية لتدمير تلك المناطق هي استكمال لعملية تغيير ديموغرافي، وإعادة تخطيط عمراني جديد للمنطقة باسم "مدينة باسيليا"، في تلك المناطق المدمّرة بنسبة كبيرة جرّاء عمليات القصف المكثّف من قبل قوات النظام، لن يكون لأهلها أي وجود حقيقي فيها.

وكانت أولى خطوات تنفيذ اتفاق التهجير، قد طبّقت على الأرض، منذ الأحد/الإثنين، بتسليم فصائل المعارضة خط التماس في بلدة يلدا المحاذي لتنظيم "داعش" في مخيم اليرموك والتضامن والحجر الأسود، إلى قوات النظام. وانتشر عناصر النظام مع دباباتهم وآلياتهم الثقيلة، مع إمكانية تحرّك بخط عرضي مسافة 100 متر تقريباً.

وبانتظار حافلات التهجير، تسود حالة من القلق والترقّب في أوساط المنطقة، خاصّة لأولئك المتقلّبين بين البقاء والخروج، فيما تستمر العملية العسكرية لقوات النظام مدعوماً بحليفه الروسي لليوم الرابع عشر على التوالي، في أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن، بعد تحقيق النظام لأول تقدّم حقيقي في المعركة بسيطرته على المادنية والعسالي في حي القدم، ووصوله إلى منطقة الأعلاف على مشارف حي الحجر الأسود من الجهة الغربية، خلال اليومين الماضيين.

التطورات العسكرية الأخيرة هي افتتاح لمرحلة جديدة من المعركة، بعد استعصاء طويل دام 12 يوماً، خسر النظام فيه قرابة 200 قتيل بينهم ضباط برتب عالية، وحوالي عشر آليات ثقيلة من دبابات وعربات "بي ام بي"، فيما خسر التنظيم قرابة 50 قتيلاً في ظل تكتّم كبير على أعداد قتلى ومصابي المعركة. وبالوصول إلى تخوم المعقل الرئيسي لـ"داعش" جنوبي دمشق، وبعد كسر خط الدفاع في محيط المنطقة، تتحوّل المعركة الآن إلى حرب شوارع في كتلة الجزيرة-الأعلاف في الحجر الأسود، والتي تحوّلت إلى خط تماس. ويُساعُدُ التنظيم نوعاً ما، كون مقاتليه من أبناء المنطقة، ما يعني زيادة شراسة عناصره في الدفاع عن المنطقة، مقابل تصاعد القصف، خاصّة وأن أحياء تلك المنطقتين مكونة من أبنية عالية من أربع طبقات فأكثر، على عكس أبنية العسالي والمادنية قليلة الطبقات.

قوات النظام سيطرت على منطقة الريجة ومحيطها بعد إجلاء مقاتلي "هيئة تحرير الشام" وعوائلهم باتجاه الشمال السوري، بموجب اتفاق قضى بالمقابل بإخلاء 1000 من أهالي كفريا–الفوعة والعشرات من أسرى قرية اشتبرق من الطائفة العلوية. ووصلت قوات النظام بسيطرتها على تلك المنطقة إلى وسط مخيم اليرموك من الجهة الغربية، حيث لا يزال يقطن 10 مدنيين من كبار السّن فضّلوا البقاء في المخيم على التهجير. اتفاق النظام و"الهيئة" ساعد قوات النظام على تحقيق خرق في جبهة المخيم من المحور الغربي، وقد يساهم في حال وصولها إلى شارع 15، وتقدّمها باتجاه حارات الجزيرة، في تحقيق سيناريو التقاء القوات من محور مخيم اليرموك شمالاً، ومحور الحجر الأسود غرباً، والاقتراب من تقطيع أوصال مناطق سيطرة "داعش" جنوبي دمشق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها