مازال التوتر قائماً، في حي الوسطى ذي الأغلبية المسيحية، في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، بين قوات "سوتورو" المسيحية و"وحدات حماية الشعب" الكردية التابعة لحزب "الاتحاد الديموقراطي".
وبحسب شهود عيان في حي الوسطى، فإن سبب التوتر، يعود إلى قيام قوات "سوتورو" المعروفة في المدينة بـ"سوتورو النظام"، بإقامة حواجز لها في الحي، قبل أن تتدخل "وحدات الحماية"، الإثنين، وتزيلها. الاشتباكات أدت الى مقتل عنصر من "سوتورو" وآخر من "وحدات الحماية".
و"سوتورو" هي كلمة في اللغة السريانية وتعني "الحماية". وتنقسم مليشيا "سوتورو" إلى مجموعتين؛ إحداها "سوتورو الإدارة الذاتية"، انبثقت في العام 2013، عن "المجلس العسكري السرياني" الذي شكله حزب "الاتحاد السرياني" المقرب من حزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردي، وهي تابعة مالياً وإدارياً لـ"وحدات حماية الشعب". والمجموعة الثانية تعرف باسم "سوتورو النظام" وهي تابعة لـ"مجلس السلم الأهلي"، وتتألف من "تجمع شباب سوريا الأم" و"التجمع المدني المسيحي"، وهي تابعة إدارياً ومالياً لمليشيا "الدفاع الوطني" التي شكّلها النظام. أي أن الوجود العسكري المسيحي في القامشلي ينقسم إلى قوتين عسكرتين، تعرفان باسم "سوتورو النظام" و"سوتورو الإدارة الذاتية". وتقوم "سوتورو النظام" بحماية حي الوسطى، بينما تقوم "سوتورو الإدارة الذاتية" بحماية حي الغربية المسيحي.
ويتوزع سكان القامشلي بين الأكراد والمسيحيين والعرب، وتشهد المدينة أحياناً أزمات أمنية ذات أبعاد سياسية، إما لصالح النظام الذي يسيطر على جزء صغير منها "المربع الأمني"، أو لصالح ثاني أهم قوة في المدينة والمتمثلة بـ"وحدات الحماية" الكردية.
الاشتباكات غطتها وسائل الإعلام المقربة من "وحدات الحماية" بأنها معركة بين الـ"وحدات" من جهة، وقوات النظام و"سوتورو" و"الدفاع الوطني" -تابعة لعشيرة طي العربية- من جهة ثانية.
الوجيه المسيحي نضال رحاوي، ومدير مطعم في حي الوسطى، نفى تدخل قوات النظام لصالح الـ"سوتورو"، ووصف "الوحدات" بقوات "احتلال"، قائلاً: "في هذه اللحظة بالذات عصابات الاحتلال ترد على حمايتنا لأنفسنا عبر الحواجز الاسمنتية التي نشرناها اليوم حول تقاطعات مناطقنا بإرسال مخربين لتكسيرها". وأكد رحاوي أنه وبعد حدوث الاشتباك، تواصل مع ضابط أمني تابع للنظام في المدينة، مؤكداً أن الأخير وعده بحل المسألة!.
"سوتورو النظام" وصفت في بيان لها، هجمات "وحدات الحماية" بـ"البربرية"، مضيفة بأنه قد تم صدها من قبل الأهالي وعناصر الـ"سوتورو". وأكد البيان أن "الوحدات" هاجمت بأعداد كبيرة في سيارات وآليات للهدم، لتحطيم الحواجز الإسمنتية التي وُضعت على مداخل الحي، بغرض زيادة التعزيزات الأمنية. وكشف البيان عن مقتل أحد عناصر "سوتورو" وأن "طلقات الحقد والغدر أصابته في رأسه مباشرة، حين كان يقوم بواجبه المقدس في الدفاع عن شرفه وأهله، ما يعزز تخطيطهم لهذا الهجوم الفاشي العنصري، المرافق لتصرفاتهم بحق شعبنا بشكل ممنهج".
بيان القوة الأمنية التابعة لحزب "الاتحاد الديموقراطي" المعروفة بـ"الأسايش"، جاء مناقضاً لبيان "السوتورو"، وحمّل "السوتورو" مسؤولية الأحداث، مؤكداً أن الاشتباكات أدت الى مقتل اثنين من "السوتورو" وإصابة عنصرين من "الأسايش"، دون أن يذكر استهداف قناصة "السوتورو" لمواطن كردي كان خارجاً من أحد المطاعم في المدينة.
وقال سكرتير "المكتب السياسي" للحزب "الديموقراطي الكردستاني" محمد اسماعيل، لـ"المدن"، إن مثل هذه الأحداث أصبحت سمة عامة لمدينة القامشلي، وأشار إلى أن المدينة أصبحت تدار من قبل أربع سلطات، الهدف الوحيد لها هو ضرب السلم الأهلي. وأضاف اسماعيل، بأن تلك السلطات "تتصرف بصبيانية بين الحين والآخر، وتشتبك لأبسط الأسباب، وكأنها تريد فقط ترويع الأهالي".
وأضاف اسماعيل بأن النظام يدير مختلف القوى العسكرية في المدينة: "السوتورو" و"وحدات الحماية" و"الدفاع الوطني"، مشيراً إلى أن النظام يفتعل الفتن بين تلك القوى، ليعزز من سيطرته عليها.
ويُرجح بعض المعارضين الأكراد لـ"الاتحاد الديموقراطي"، أن تكون الاشتباكات الأخيرة في المدينة، مقدمة لحدوث اشتباكات أوسع بين "وحدات الحماية"، وقوات النظام والميليشيات التابعة لها. ويشير أولئك إلى أن "الاتحاد الديموقراطي" يريد الظهور بمظهر المعارض، قبيل انطلاق محادثات "جنيف-3". ويندرج ذلك ضمن سعي "الاتحاد الديموقراطي" ومن ورائه "مجلس سوريا الديموقراطية" للحصول على مقعد في محادثات "جنيف-3". ويُذكر بأن اشتباكات مماثلة، دارت بين قوات النظام والوحدات الكردية، قبل بدء محادثات "جنيف-2" بأيام.
ويتصدر حي الوسطى المسيحي، منذ ليلة رأس السنة، المشهد الأمني في القامشلي، بعدما طالت تفجيرات انتحارية مطاعم في الحي، وأودت بحياة العشرات من المحتفلين برأس السنة. ولاتزال تلك الأحداث تثير جدلاً في الأوساط المسيحية في المدينة؛ ويتهم بعضها النظام بالمسؤولية عن التفجيرات رغم تبني تنظيم "الدولة الإسلامية" لها.
رئيس حزب "الاتحاد السرياني" بسام سعيد اسحق، كان قد اتهم النظام السوري، وقوات "سوتورو النظام" بالمسؤولية عن التفجيرات. وقال: "مسؤولية الأمن في منطقة الانفجارات تقع على عاتق النظام الذي يدعي أنه حامي الأقليات".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها