الأحد 2015/07/19

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

هل الانشقاق عن "الدولة الإسلامية" ممكن؟

الأحد 2015/07/19
هل الانشقاق عن "الدولة الإسلامية" ممكن؟
الانشقاق يعني عداء التنظيم فكرياً وربما عسكرياً
increase حجم الخط decrease
يستبعد كثير من المراقبين حدوث انشقاقات ضمن صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" سواء على مستوى القاعدة أو القمة. ومرد ذلك الى عدم معرفة حقيقة التنظيم والإلمام بالتيارات الفكرية داخله، ودوافع الانخراط بصفوفه. استبعاد الانشقاق يأتي من الاعتقاد بأنَّ مقاتلي التنظيم على سوية واحدة من العقيدة السلفية-الجهادية.

يقول الناشط أبو عمر من ريف حلب: "التنظيم ليس مؤسسة عسكريّة نظامية تجبر الناس على القتال في صفوفها، بل تترك للمواطنين حرية مطلقة في ذلك"، لكن تنوع الانشقاقات يؤكد خلاف ذلك. ويشير أبو عمر إلى أنه ينبغي التمييز بين الانسحاب الهادئ من صفوف التنظيم لعدم القدرة على المتابعة وتحمل المشاق، وبين الانشقاق. إذ يعيش المنسحبون من صفوفه حياة طبيعية دون أن يمسهم التنظيم بأذى، خلافاً للمنشقين. ويؤكد أبو عمر: "الانشقاق يعني عداء التنظيم فكرياً وربما عسكرياً"، وهذا ما يفسر الدمويّة في تعامل التنظيم مع المنشقين.

ومرَّت الانشقاقات عن "الدولة" بمنعطفات كثيرة، سواء من ناحية الكم أو الكيف، تبعاً للظروف السياسية والتطورات العسكرية الميدانية على الأرض. يقول مقاتل سابق في الجيش الحر من ريف حلب الشرقي: "تتناسب الانشقاقات طرداً مع الانتصارات أو الهزائم، إذ يكتسب التنظيم مع كل تقدم أنصاراً جدداً، ويخسر عند الهزائم الكبرى حيث تنخفض الثقة بمستقبل التنظيم".

ولم يعرف التنظيم انشقاقاً حقيقياً عمودياً وأفقياً، إلا في مطلع العام 2014، عند اشتعال المعارك الدامية مع الثوار السوريين. ويذهب بعضهم للقول بإنَّ التنظيم انهار في سوريا لو تمّ تقديم الدعم للثوار حينها. يقول أحد المنشقين عن التنظيم: "انتسبت لتنظيم الدولة لإسقاط نظام الأسد، فكنا مع الثوار في خندق واحد، ولم أتوقع يوماً رفعي السلاح بوجه إخواني ونسيان الأسد، لذلك بادرت وكثير من الشباب بالانشقاق بمجرد انحراف البوصلة".

ولم يشهد تنظيم "الدولة" عقب تلك الانشقاقات حوادث على المستوى نفسه، هددت بزواله، رغم النكسات العسكرية الكثيرة. وتشهد معركة كوباني "عين العرب" على ذلك، إذ استطاع تنظيم "الدولة" تجاوز المطب "وتحويل المعركة إلى حرب استنزاف بعد أن كانت كسر عظم". يؤكد المعلم أحمد من ريف حلب: "أخذت المعارك طابعاً قومياً نتيجة ممارسات القوات الكردية، ما زاد من رصيد التنظيم شعبياً، وزاد المنتسبين له".

الانشقاقات تتركز في معظمها في صفوف السوريين، خلافاً للعراقيين والأجانب، ويرجع ذلك لعدم إيمان جزء كبير من السوريين بفكر التنظيم، إضافة لوجود الخيار الثالث المتمثل بالثوار الوطنيين والإسلاميين، وذلك ما لا يتوفر للعراقيين السنّة في العراق.

فيما يكون الانشقاق أسهل بالنسبة للعناصر الذين لا يقطن ذووهم في مناطق سيطرة التنظيم، كما حدث مع شادي دياب، من الغوطة الشرقية، الذي انشق، مؤخراً، ومجموعة من رفاقه عن التنظيم، وانضم إلى "جيش الإسلام". انشقاق شادي جاء بعد "تبين جرائم التنظيم ومكره، وبأنهم خوارج" كما جاء في مقطع مصور نشره "جيش الإسلام".

الإعلام لا يُسلِّطُ الضوء غالباً إلا على انشقاقات القادة والأمراء، ويتجاهل الانشقاقات على مستوى القاعدة، ومن ذلك انشقاق المسؤول العسكري في التنظيم الشيخ عمار الحداوي، وهروبه إلى تركيا.

ولا ترجع الانشقاقات سواء على مستوى القادة والأفراد للأسباب العسكرية فقط، إنما تتعدد الأسباب والعوامل المؤثرة، وقد يكون مستغرباً أنّ الناحية الشرعيّة سبب لانشقاق عدد لا بأس به من القادة أو الأفراد. واللافت أنَّ التنظيم يتعامل بصرامة ودموية مع هذا النوع من الانشقاق، فيبادر سريعاً للتصفية الجسدية بدعوى "درء الفتنة، وحقن دماء المسلمين، والحرص على وحدة الكلمة والصف". ويؤكد مقاتل سابق في الجيش الحر على "تنوع التوجهات والتيارات داخل التنظيم"، ويؤكد ناشطون أنّ التنظيم، قتل مؤخراً أكثر من 20 عنصراً رفضوا قتال "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" في ريف حلب الشمالي. ولا يتسامح التنظيم حتى مع القادة، فَقَتَلَ أبا عبد الرحمن المصري في مدينة الباب مع قادة آخرين، لمجرد اعتراضهم على إعلان الخلافة، ومبايعة البغدادي خليفة رغم أياديهم البيضاء في خدمة التنظيم.

وتؤكد السرقات التي يقوم بها بعض المنشقين أنَّ الانشقاق يتمّ لأسباب مادية أيضاً، ما يؤكد أنَّ عدداً لابأس به من أعضاء التنظيم انخرطوا قي صفوفه، من أجل المال والدنيا، لا حباً بالجهاد. ومن ذلك هروب مسؤول الزكاة في الشدادي بريف دير الزور، أبو فاطمة، ومعه عدد من رفاقه، وبحوزتهم 6 ملايين دولار كما أكد ناشطون. وكذلك هروب القائد العسكري أحمد الرحوم، إلى تركيا، بعدما سطا على مبالغ مالية كبيرة من قرية البوليل. والقائمة لمثل هؤلاء تطول.

ويعطي الانشقاق الأمني ملمحاً بارزاً على ضعف التنظيم، إذ تثبت هذه الانشقاقات حجم الاختراقات الأمنية من قبل أجهزة الاستخبارات العالمية للتنظيم. وغالباً ما ينشق هؤلاء عند انتهاء مهمتهم، وعند إحساسهم بافتضاح أمرهم، وهو ما حصل مع "أمير الأمنيين" في الباب بريف حلب، أبو عبيدة المغربي.

ويتخذ التنظيم سلسلة احتياطات للحد من ظاهرة الانشقاق –رغم قلتها- سواء على مستوى القادة أو الأفراد، فمنذ ما يقارب العام أطال مدة الدورتين العسكرية والشرعية للمنتسبين الجدد، كما أطال فترة الرباط على الجبهات التي تعقب الدورتين. ولا يُعطى المنتسب الجديد خلال هذه المدة الطويلة أية تعويضات مادية. يقول أحد المُقربين من التنظيم: "وبذلك يُبنى المقاتل بشكل صحيح عقائدياً وعسكرياً، ويختبر نفسه وقدرته على المتابعة أو الانسحاب"، كما أصدر التنظيم مؤخراً تعليمات بإخضاع المنتسبين القدامى الذين كانوا في صفوف الثوار، بمن فيهم قادة، لدورات شرعية.

ويعتمد التنظيم سياسة التمدد لإشغال عناصره، وحصر تفكيرهم بالقتال، ويختار المعارك بحرفية لكسب مؤيدين، ولتقوية الدوافع القتالية، ويتحاشى ما أمكن قتال الإسلاميين حرصاً على تماسك الصف، وعدم الدخول في نقاشات فكرية قد تمزق الصف. فلا يجرؤ قادة التنظيم، حتى الآن، على التصريح علناً بردة وكفر منتسبي "جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، إذ يقتصر تكفير التنظيم لهذه التنظيمات على قادتها، ويعد العناصر ضحايا بريئة مُضللة.

وتبقى الانشقاقات على قلتها وندرتها حالياً السلاح الفتاك الذي يهدد بزوال التنظيم في حال توسعها عبر إيجاد الظروف الموضوعية المناسبة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها