الجمعة 2014/06/06

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

مذبحة انتخاب الأسد

الجمعة 2014/06/06
مذبحة انتخاب الأسد
تدشين لزمن جديد من هيمنة "سوريا الأسد" على مساحاتٍ من الأراضي السورية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
خلافاً لالتزام جميع أنصاره بتوجيهاته عندما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، يبدو وكأن أنصار الأسد لم ينصاعوا هذه المرة لتوجيهاته بعدم إطلاق الرصاص ابتهاجاً بالنصر. فقد تحولت جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري إلى ما يشبه جبهة حرب مفتوحة؛ ملايين الطلقات في الهواء من مختلف صنوف الأسلحة. والحصيلة عشرات القتلى والجرحى معظمهم أنصار الأسد.

تحدثت السلطات السورية عن تسعة قتلى وخمسين جريحاً، في مختلف أنحاء البلاد نتيجة الرصاص العشوائي. في حين قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الحصيلة كانت عشرة شهداء ومائتي جريح، أغلبهم في طرطوس واللاذقية ودمشق. إلا أن الأرقام الحقيقية هي أعلى مما تم توثيقه أو الاعتراف به. ولم يتحدث أحد عن المدنيين الذين أصيبوا بالعشرات، في ريف الساحل السوري على وجه الخصوص. بعضهم لم يصب فقط برصاص بنادق خفيفة، بل برشاشات ثقيلة، أصلت نيرانها، بشكل غير مباشر، عشرات القرى في الجرود والجبال هناك. لقد كانت تلك مذبحة.

وعلى الرغم من آلام عشرات العائلات المنكوبة جراء أفراح الفوز العظيم بولاية "دستورية ثالثة"، فإن الأفراح لم تتوقف؛ حيث نظمت الحفلات وحلقات الدبكة الشعبية، في أغلب مدن وأرياف الساحل السوري في اليوم التالي. وإذا كانت السلطات قد عملت على استبدال الرصاص بالمفرقعات والألعاب النارية، فإن ذلك لم يمنع توقف إطلاق الرصاص تماماً، وحلت مصائب جديدة على عائلات جديدة.

يبدو تصديق توجيهات الأسد لأنصاره، بعدم إطلاق الرصاص ابتهاجاً، غير واردٍ على الإطلاق. فقد كانت الاستجابة مطلقة عند إعلان الأسد ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية. كما تؤكده حقيقة أن إطلاق الرصاص الكثيف، بدأ قبل الإعلان عن النتائج بنصف ساعة أو أكثر في بعض المناطق. فضلاً عن ذلك فإنه كان يمكن معاقبة أولئك الذين استمروا في إطلاق الرصاص بعد توجيهات الأسد. ولم يحدث على الإطلاق. وبينما كانت بعض العائلات مشغولة بدفن أو معالجة جراح أبنائها، كان الآخرون بمن فيهم مطلقو الرصاص يواصلون احتفالاتهم، وكأن شيئاً لم يكن.

لا شك أن جميع الأنظمة المستبدة تعمِّدُ طغيانها بدماء خصومها وأنصارها في الوقت نفسه، وهو ما يفعله النظام السوري منذ ثلاث سنوات. وفي الحقيقة منذ ما يزيد على أربعة عقود. و"جمهورية الأسد الجديدة" تبدأ مشوارها بسفك دماء أنصارها، على يد مقاتليها أنفسهم. 
أياً يكن الأمر، وسواء كان ذلك متعمداً، أم نتيجة لطبيعة نظام الأسد وتركيبته، فإن النظام السوري يعلن انتصاره على جمهوره قبل خصومه. ويبدو أولئك الذين فقدوا أرواح أحبتهم، أو تعرضوا لإصابات وإعاقات جراء رصاص الفرح العشوائي، أداة هذا الإعلان. ويبدو صمت البيئة المحلية وعجزها إزاء هذه التصرفات، تدشيناً لاستعادة الأسد الإبن هيمنته المطلقة، كما كانت عليه هيمنة الأسد الأب على أنصاره وجمهوره في تسعينيات القرن المنصرم. حينها كان شبيحة "آل الأسد" يطلقون الرصاص ويمارسون السطو في وضح النهار، على الأشخاص أنفسهم الذين لا يوفرون مناسبة لتمجيد القائد الأسد والاحتفاء به.

على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، وفي الأحاديث العابرة، يشير كثيرٌون من أنصار النظام السوري، وأولئك الخاضعون رغم أنوفهم لسلطته بمرارة وغضبٍ لما جرى. فينتقدون أفعال هؤلاء "الزعران" و"البلطجية" و"المراهقين الجهلة"، متوجين عباراتهم وانتقاداتهم بجملٍ من قبيل "أعان الله القائد الأسد على شعبه الأحمق". هكذا تكتمل صورة الهيمنة والخضوع المطلق للطاغية. فالجميع يعرف أن هؤلاء القتلة هم جنود الأسد، الذي لا يريد ولا يقدر على ضبط تصرفاتهم. هو فقط يبدو قادراً على محاصرة وقتل وسحق من يطالبون بتنحيه عن السلطة، وإذلال خصومه الدوليين مهما بلغت قوتهم.

مع إعلان انتصار الأسد، انتشرت صورة على شبكة الإنترنت، يتداولها أنصار النظام السوري، ويظهر فيها بشار الأسد جالساً على كرسيه، فيما ينحني الرئيس الأميركي باراك أوباما لتقبيل حذائه. هذه الصورة الكاريكاتورية البلهاء، إلى جانب الرضا والاستسلام لتراجيديا الموت المفتوح الذي يتسبب به نظام الأسد، هي تكثيف لصعود نزعة ثأرية مريضة. هذا الصعود الذي قد يكون صعوداً أخيراً يعقبه انهيار شامل. كما يمكن أن يكون تدشيناً لزمن جديد من هيمنة "سوريا الأسد".
increase حجم الخط decrease