السبت 2014/10/04

آخر تحديث: 16:03 (بيروت)

أنصار النظام السوري في مواجهة تناقض خطاب الممانعة

السبت 2014/10/04
أنصار النظام السوري في مواجهة تناقض خطاب الممانعة
كثيرٌ من أنصار النظام الشوري بدأوا يشعرون أن النظام لم يعد لديه الكثير ليقدمه (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

يحفل تاريخ ما يعرف بحلف الممانعة الذي يمثله النظام السوري وحزب الله وإيران، بالتناقضات. كان من أبرزها في المرحلة السابقة على اندلاع الثورات العربية، التناقضُ بين خطاب النظام السوري الذي يعتبر السلام مع إسرائيل خياراً استراتيجياً، وبين خطاب إيران وحزب الله الرافض لكل طروحات السلام والتفاوض. على أن هذا كان دائماً يوصف على ألسنة المحللين بأنه حنكةٌ سياسيةٌ وتوزيع أدوارٍ بارعٍ بين الحلفاء. أما بالنسبة لجمهور محور الممانعة وأنصاره ومحكوميه، فإنه لم يكن ثمة نقاش علني حول هذه المسائل، ذلك أن الجميع تقريباً كانوا خارج الفضاء العام، وكانوا يكتفون في الأحاديث اليومية بتكرار ما يقوله المحللون السياسيون "الممانعون".

يواصل المحللون إياهم قول الأمر نفسه اليوم، عن التناقض بين موقف حزب الله الرافض لضربات التحالف الدولي ضد داعش، وموقف نظام الأسد المرحب بها. لكن الفارق بين الموقفين أن جزءاً من جمهور النظام السوري خرج إلى الفضاء العام، وبات يفكر ويقول ما يفكر به بصوت مرتفع، لاسيما بعد الأثمان الباهظة التي دفعها هذا الجمهور في سياق التصدي "للمؤامرة الغربية على محور الممانعة".


لا يزال استقصاء الآراء الحقيقية لجمهور النظام السوري صعباً بسبب تماسك قبضته الأمنية واستمرار هيمنته النفسية، لكن شاباً من داعمي الأسد الناشطين في مدينة اللاذقية قبل بالتحدث إلى "المدن" طالباً عدم الكشف عن اسمه. فقال "لا أعرف حقاً كيف يمكن لي أن أفهم ما يحدث، كنت ولا زالت منحازاً للرئيس الأسد في معركته لأنني أعتقد أن إقصاءه عن السلطة سيعني انهيار كل مقاومة لإسرائيل وحلفائها. كنا نقول إن المعارضة خائنةٌ لأنها تطلب دعم الغرب، إلا أن الحكومة السورية تبدو اليوم أكثر استجداء لمساعدة حلفاء إسرائيل الغربيين من كل فصائل وتيارات المعارضة مجتمعةً". وتساءل "ما الذي يمكن أن يعنيه هذا حقاً؟ هل يمكنني أن أفهم أن روسيا وإيران مستعدتان للتخلي عن سوريا ولهذا فإنه لا أمل لنا إلا بالتحالف مع الغرب؟". يضيف قائلاً: "أفهم ضرورة المناورة في السياسة، ولكن كيف يمكن الرهان على التعاون مع الغرب للانتصار على مجموعات مسلحةٍ مدعومةٍ من الغرب في الأصل؟ ألا نبدو منافقين أكثر من أي وقت مضى؟".


ليس هذا رأياً شائعاً بين أنصار النظام السوري على أي حال، أو لنقل إنه رأي قلما يمكن سماعه، إلا أن الأمور تبدو أكثر تعقيداً عند محاولة استقصاء آراء عموم جمهور النظام السوري في الشارع. يقول سائق تكسي عجوز لسيارة أجرة في اللاذقية في حديث عابر أن "الحرب على الإرهاب أرسلت صدام حسين إلى المشنقة، لا أفهم لماذا يعتقد رئيسنا أن مصيره سيكون مختلفاً، عليه أن يستمع إلى كلام حسن نصر الله ويرفض التعاون مع أميركا".


يبدو كلام هذا الرجل أكثر اتساقاً مع الذات من كلام المحللين السياسيين، فهو يبني وجهة نظره العفوية تلك على تصديقه المطلق لحقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية تريد إزاحة الأسد أكثر من أي شيء آخر. لكن هناك شيئاً آخر غير عدم الثقة بالولايات المتحدة يفعل فعله في نفوس أنصار النظام. إنه الخوف الذي زرعه خطاب النظام السوري الذي بدا كما لو أنه يتوسل للغرب أن يقبل به شريكاً، إذ بات كثيرون يتساءلون اليوم: "ماذا إذا لم يتم إشراك الحكومة السورية في الحرب الغربية على الإرهاب؟".


مدينة طرطوس الساحلية لا تزال على حالها، هدوء وأمن مطلق، وتزايد لأعداد الضحايا من قوات الجيش والدفاع الوطني، ولأعداد النازحين من مناطق الاشتباكات. وخلافاً لموقف النظام السوري المعلن، يبدو أن بعض مقاتليه لا يرحبون بغارات التحالف. يقول مقاتلٌ عائد من جبهات القتال في حماة: "كلام الخارجية السورية مضحك حقاً، لقد صدعوا رؤوسنا بالحديث عن السيادة الوطنية، واليوم يعلنون فرحهم ورضاهم لأن الولايات المتحدة الأميركية أبلغتهم بالغارات قبل تنفيذها. لقد كنا في استراحة بين معركتين عندما سمعت مع رفاقي كلام الخارجية السورية، وهو لم يكن مزعجاً بالنسبة لنا بقدر ما كان مثيراً للسخرية".


يواصل كثيرون من أنصار النظام السوري ترديد ما يقوله إعلام النظام وإعلام حلفائه، لكن الأصوات التي تهزأ بهذه التحليلات وتعتبرها مجرد تضليل وتسويق للأكاذيب ترتفع بوضوح. وفي مقابل ما يحاول النظام السوري أن يوحي به من ثقة بالنفس، يبدو أن كثيراً من أنصاره بدأوا يشعرون أن النظام السوري لم يعد لديه الكثير ليقدمه، ولعل هذا ما يفسر تهرب كثيرين من الخدمة العسكرية في الجيش النظامي، واتجاههم للقتال في صفوف قوات الدفاع الوطني، وكذلك في الميليشيات الأمنية والكتائب العسكرية الخاصة التي بدأت تكتسب استقلالاً عن سلطة المؤسسات الرسمية، والتي تقوم بالعبء الرئيسي على معظم جبهات القتال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها