الثلاثاء 2014/12/02

آخر تحديث: 15:13 (بيروت)

الحياة في أخطر مدينة بالعالم

الثلاثاء 2014/12/02
الحياة في أخطر مدينة بالعالم
يمكنك الوصول إلى الجامع الأموي الكبير والسوق المسقوف، إلا أنّ مئذنة المسجد مدمرة، كما أنّ السوق قد أحترق (محمد الخطيب)
increase حجم الخط decrease
بمجرد وصولك مشارف مدينة حلب، يتوجب عليك الاستغناء عن روحك، وأنّ تكون مستعداً لمفارقة الحياة في أيّ لحظة. ولعل طريق "الكاستلو" المدخل الشمالي والوحيد إلى الأحياء "المحررة"، يجعلك مستعداً لما ستواجهه داخل المدينة. عند "طريق الموت" كما يصفه الأهالي تُسرع السيارات بأقصى استطاعتها، ويحافظ السائقون على مسافات متباعدة في ما بين السيارات، للاعتقاد أنّ ذلك يقلل من احتمال استهدافهم من الطيران الحربي.

تنعطف السيّارات يميناً وشمالاً، لتفادي الحفر وهياكل الآليات المدمرة، نتيجة القصف المتواصل على الطريق، في سعي النظام لقطعه، إلا أنّ السكان لا يجدون بداً من المرور عليه، فلا يمكن الوصول إلى حلب إلا عبره. وبمجرد اجتياز دوار "بعيدين"، يخفض السائقون من السرعة. فقد أصبحت الآن داخل مدينة حلب، وتجاوزت خطر عبور "طريق الموت"، أما داخل المدينة فعليك مراقبة السماء جيداً، والتأكد أنّ لا مروحيات محملة بالبراميل، تحلق في الأعلى.

يكاد لا يخلو شارعٌ في أحياء حلب "المحررة" من الدمار الناتج عن قصف البراميل، إذ مضت سنة كاملة على بدء استخدام نظام الأسد البراميل المتفجرة في قصف المدينة. وهو السلاح الغبي رخيص التكاليف، الذي جعل المدينة الأخطر عالمياً، ودفع سكانها للنزوح.

تقول آخر إحصائية لصفحة "شهداء حلب" في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، إنّ 3589 شخصاً قتلوا في حلب بقصف البراميل، بينهم 904 أطفال، وذلك منذ بدء الحملة في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حتى يومنا هذا.





وتبدو الحياة معدومةً في معظم أحياء حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، وينتابك شعور غامرٌ بالفرحة، إذا شاهدت صدفة أحدهم يسير في حي المرجة. أما في الأحياء القريبة من خطوط الاشتباك، فمازالت تنبض ببعض الحياة، حيث لا يستهدفها قصف البراميل بشكل مكثّف كما هو الحال في الأحياء البعيدة عن الجبهة. إذ يخشى النظام سقوط براميله العمياء على مناطق سيطرته أو جنوده، كما حدث مرات عدة.

ويختلط الدمار بمظاهر الحياة، ففي الشارع الرئيسي من حي الشعار، يقف أحمد أمام بسطته بقرب إحدى البنايات المدمرة، منادياً على زبائنه: "عسل يا تفاح .. عسل يا تفاح، آرب وعبي، تلت كيليات بـ 500". ومن عربات بيع الكباب والشقف والكبة، التي يشتهر بها الحلبيون، تفوح رائحة المشاوي. في هذه المنطقة، التي كانت تعتبر سوقاً رئيسياً، قُتل 13 شخصاً حين قصفها الطيران الحربي. 

للوهلة الأولى تشعر بأنّ الحياة طبيعة هنا، غير أن المسير باتجاه دوار الشعار، يجعل كآبة المشهد تزداد تدريجياً، فتنخفض أصوات البائعين، ويحل مكانها أصوات المناوشات القريبة في منطقة كرم الجبل، التي تندلع بين الحين والآخر. لا شيء أمامك سوى مشاهد الدمار المنتشر على جانبي الطريق، ويطغى عليك الأسى عند مشاهدتك جسر الشعار، الذي استغرق تشييده قرابة السنتين، مدمراً، بفعل البراميل.

قبل أنّ تذهب للراحة في المنزل، لا تنسى أنّ تعبئ "بيدونة" المياه وتجلبها معك. فالمياه مقطوعة على الدوام في حلب، وتأتي لبضع ساعات كل ثلاثة أيام. كما تصيب شبكة المياه أعطال مستمرة ناتجة عن القصف. وستكون محظوظاً إذا كان بالقرب من منزلك بئر ماء. ولا تنسَ أيضاً، أنّ تجلب شريطاً للكهرباء مع قاطع (2 أمبير) لتشترك بأقرب مولدة كهربائية إليك، حتى لا تقضي ليلتك على ضوء الشمع.

ليل حلب يبدو مخيفاً وموحشاً، الطرقات معتمة للغاية، تكاد لا تستطيع المشي لولا ضوء القمر إنّ وجد. حتى أنّ السيارات تطفئ أنوارها خشية استهدفها من الطيران الحربي. تمشي مساءً، من حي الميسر إلى القاطرجي، وصولاً إلى طريق الباب وحي الصاخور، لتدرك أن لا أحداً في الشوارع، وإنّ سمعت صوت أحدهم قادماً إليك، فإليك هذه النصيحة: أذهب بعيداً، فقد يكون من قطاع الطرق أو الصوص.

قصف البراميل ليلاً هو أكثر رعباً من النهار، فلن تستطيع مشاهدة المروحية، ولن تعرف إذا كان "البرميل" بعيداً أم قريباً منك. في الواقع لا يمكن لأحد الإجابة عن هذا السؤال: هل يتألم الناس، إذا قتلوا، وهم نيام؟

صباحاً إنّ فكرت بالذهاب إلى المدينة القديمة، عليك مرافقة خبيرين، أحدهما خبير بالآثار والثاني خبير بمواقع القناصة، ليرشداك إلى الأزقة غير المرصودة، كي لا تكون صيداً للقناصة. وتعتبر المدينة القديمة خط اشتباك بين المعارضة والنظام، وعلى كل حال لن تتمكن من الوصول إلى قلعة حلب الأثرية، فهي تحت سيطرة النظام والمنطقة المحيطة بها تحت سيطرة المعارضة.

حسناً لا تحزن، فما زال بوسعك الوصول إلى الجامع الأموي الكبير والسوق المسقوف أيضاً، إلا أنّ مئذنة المسجد مدمرة، كما أنّ معظم السوق قد أحترق.

في النهايةً إذا أتيت إلى حلب لمجرد السياحة أو المغامرة، أنصحك بأن تغادرها سريعاً قبل أنّ يتمكن النظام من قطع طريق "الكاستلو" وتقع في الحصار، فلا أتمنى لك حينها الموت جوعاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها