مدارس تتاجر بطلبات الترشيح للامتحانات.. والوزارة تموّلها بفلس الأرملة

وليد حسين
الجمعة   2023/05/26
ذريعة المدارس برفع رسم الترشيح هو فقدان الطوابع المالية وشراؤها من السوق السوداء (المدن)
مددت وزارة التربية مهلة تسجيل طلبات الترشيح للامتحانات الرسمية لأسبوع إضافي، بعدما تبين أن هناك عشرات المدارس ما زالت متعثرة، ولم تتمكن من انجاز ملفات طلابها بعد. لكن تمديد المهل لا يشمل الطلبات الحرة التي يتقدم بها الطلاب مباشرة إلى المناطق التربوية التابعة للوزارة في كل محافظة. فمهلة تقديم طلبات هؤلاء انتهت اليوم الجمعة، ولم يعرف عددهم بعد، علماً أن التوقعات تشير إلى أن العدد قد يصل إلى أكثر من ألف طلب في مرحلة الثانوي ونحو خمسة آلاف طلب في المتوسط، تقول مصادر مطلعة، وتضيف أنه عادة عندما يشتم اللبنانيون رائحة منح الإفادات يتهافتون لتقديم طلبات حرة للاستفادة منها. وهذا ما حصل هذا العام الدراسي.

تجارة طلبات الترشيح
تمديد المهل أتى بسبب تأخر المدارس، ليس الرسمية فحسب، بل حتى الخاصة، ولا سيما تلك التي تقوم بتسجيل الطلاب من دون ترخيص، وتحصل على موافقات استثنائية كل سنة. وبالتالي، يصعب معرفة عدد الطلاب الكلي قبل الانتهاء من تقديم جميع الطلبات. لكن تتوقع المصادر بأن لا يزيد عدد الطلاب عن مئة ألف طالب في الشهادتين، يضاف إليهم نحو ستة آلاف طالب بطلبات حرة.

وتبين أن العديد من المدارس فتحت "بزنس" في طلبات الترشيح. فوزارة التربية لا تتدخل في هذا الشأن الداخلي للمدارس الخاصة، والمبالغ التي تتقاضاها من الطلاب لقاء رسم الترشح، إلا إذا وصلت شكاوى رسمية من الأهل. لكن أهالي الطلاب الذين لم يشتكوا رسمياً (لم تقدم إلا بضعة لجان أهل شكاوى بحق مدارس) من دولرة الأقساط لن يشتكوا من طلبات الترشيح، بتلك المبالغ الزهيدة. ورغم أن وزارة التربية لا تفرض أي رسوم إضافية على المدارس الخاصة، مختلفة عن المدرسة الرسمية، لدعم ميزانية الامتحانات، تستغل إدارات المدارس جهل الأهل بالرسوم الرسمية وتطلب مبالغ مضاعفة عشرات المرات. 

الرسم الرسمي الذي يدفعه الطالب هو 21 ألف ليرة للشهادة المتوسطة و41 ألف ليرة للشهادة البكلوريا. بينما تلقت المدارس الخاصة مبالغ تراوحت بين مئة ألف ومليون ليرة ثمن طلب الترشيح. فالمدارس تتذرع بفرض هذه الرسوم بأنها تتكبد ثمن القرص المدمج الذي تسجل عليه بيانات الطالب وصورته الشخصية، التي ستوضع على طلب الترشيح. علماً أن التعميم الرسمي الذي صدر عن وزارة التربية يقضي بجمع جميع بيانات الطلاب على قرص مدمج واحد ينقل إلى المنطقة التربوية. أي بمعنى آخر تقوم المدرسة بمسح بيانات وصورة التلميذ وتجمع كل بيانات الطلاب بملف واحد، وتنسخ كل الملفات على قرص مدمج واحد، وتنقله إلى المنطقة التربوية. وهذه الأمور الروتينية يفترض أن تتحملها المدرسة لأن كلفتها الوحيدة هي في كلفة البنزين للشخص المخول بنقلها إلى المنطقة التربوية، ولمرة واحدة.

حجة فقدان الطوابع
وقد أكدت مديرة مدرسة رسمية أن مدرسة ابنتها طلبت ثمن رسم الترشيح 150 ألف ليرة، لتقديم طلب البروفيه، وعندما واجهت إدارة المدرسة، بررت الأخيرة بأنها تتكبد مصاريف على تقديم الطلبات، يجب على الأهل تحملها. أما في مدرسة أخرى فقد طلبت الإدارة بداية 150 ألف ليرة من أحد الطلاب، ثم رفعت المبلغ إلى 250 ألف ليرة، من دون تبرير السبب. ووصلت المبالغ إلى مليون ليرة في بعض المدارس.
بعض العاملين في المدارس الخاصة يتذرعون بفقدان الطوابع المالية من الأسواق، ما يدفع إدارة المدرسة إلى شراء الطابع من السوق السوداء (يوضع على طلب الترشيح طابع بقيمة ألف ليرة). لكن أهالي الطلاب يؤكدون أنهم يشترون هذه الطوابع ويرفقونها مع الهوية والصورة الشمسية، عندما يقدمون طلب الترشيح. وبالتالي يقتصر دور المدرسة على مسح البيانات وإيداعها في المنطقة التربوية.

فلس الأرملة
هذه المبالغ "بالمرفق" لا تساوي شيئاً حيال الغلاء المعيشي الحالي. لكن حساباتها تكون في المبلغ الكلي المحصل من نحو سبعين ألف طالب في القطاع الخاص. فلو كانت هذه المبالغ رسوماً للدولة لكانت تمكنت من إجراء الامتحانات من دون انتظار رحمة الدولة المانحة. وأبلغ دليل على هذا الأمر أن النقاش حول حجم البدلات المالية التي ستدفع للموظفين الذي سيشاركون في الامتحانات ما زال دائراً في الوزارة. وتبين أن الوزارة تبحث في "فلس الأرملة" في هذه الامتحانات التي ستجرى في مطلع تموز المقبل. أي من خلال اقتطاع حفنة دولارات من المراقبين ومن رؤساء المراكز.
عدد مراكز الامتحانات يصل إلى أقل من خمسمئة مركز للشهادتين، وهي بحاجة إلى عدد مماثل من رؤساء مركز. ووفق ميزانية الامتحانات يفترض أن يتلقى رئيس المركز 25 دولاراً يومياً. لكن هناك بحث في مكتب وزير التربية عباس الحلبي لخفض بدلات رئيس المركز اليومية من 25 دولاراً إلى 22 دولاراً. رغم أن الوفر الكلي الذي يتأتى من هذا الإجراء يقل عن عشرة آلاف دولار. فامتحانات الشهادتين ستجرى على خمسة أيام واقتطاع مبلغ 3 دولارات يومية من رئيس المركز، لا تؤمن وفراً يستأهل هذا النقاش الدائر. فرئيس المركز لا يتكبد ثمن الانتقال من قضاء إلى آخر في أيام الامتحانات فقط، بل عليه تسلم ملف المركز قبل الامتحانات وإعادة تسليم المركز بعد الامتحانات. ما يعني أن مبلغ الـ25 دولاراً غير كافية أصلاً في ظل غلاء البنزين. وهذا ما دفع بالعديد من رؤساء المراكز المعتادين إلى عدم المشاركة بالامتحانات العام الفائت والعام الحالي أيضاً. لكن لا حيلة لوزارة التربية لتأمين إجراء الامتحانات إلا من خلال إعادة توزيع أموال الهبة التي حصلت عليها للامتحانات من جديد. فأموال الهبة لم تغطِ ميزانية الامتحانات كاملة، التي سبق ورفعتها الوزارة إلى الدول المانحة.