الطاحونة الهولندية في قطر.. لكسر عناد المونديال

سعيد غبريس
الجمعة   2022/07/29
هولندا: أفضل منتخب لم يفز بكأس العالم (Getty)

"الكرة الشاملة" هي التسمية الرديفة لمنتخب هولندا الذي يُعرف أيضاً في عالم كرة القدم بـ"المنتخب البرتقالي" وبمنتخب "الطاحونة الهولندية" ولكن التسمية الواقعية لهذا المنتخب على صعيد المونديال هي: أفضل منتخب لم يفز بكأس العالم.

مونديال من دون خسارة ومن دون لقب!
تأتي هولندا إلى قطر بمنتخب شاب يبرز عناصره في أفضل الدوريات الأوروبية، وشعارها الاوّل: كسر عناد المونديال. إذ فشل يوهان كرويف وورثته من بعده، في الفوز بكأس العالم، رغم وصولهم إلى النهائي ثلاث مرات: 1974 أمام ألمانيا على أرضها، و1978 أمام الأرجنتين على أرضها، وأمام اسبانيا 2010 على أرض جنوب إفريقيا. وفي مونديال 1998 في فرنسا، وبعد الخسارة أمام البرازيل بركلات الترجيح في نصف النهائي، ومن ثم أمام كرواتيا 1-2، حلت في المركز الرابع.

أما في آخر ظهور للهولنديين في مونديال البرازيل 2014 فقد ودعوا من دون خسارة، ولكن من دون اللقب، غير أنهم أنجزوا بطولة ممتازة بإنزالهم أقسى خسارة 1-5 باسبانيا المدافعة عن اللقب، وبإقصائهم البرازيليين أصحاب الأرض عن المركز الثالث بثلاثية نظيفة، بعدما كانوا خرجوا أمام الأرجنتينيين في نصف النهائي بركلات الترجيح.

الأسلاف والشباب
وهولندا التي قدّمت لكرة القدم كتائب من النجوم العالميين، أمثال يوهان كرويف وماركو فان باستن ودنيس بيرغكامب ورود غوليت وفرانك رييكارد ورونالد كومان ورود فان نيستلروي وشنايدر وروبن فان بيرسي وغيرهم.. لم يقدّم هؤلاء الأبطال الذين تحولوا بمعظمهم إلى مدربين بارزين، سوى لقب قاري واحد (بطولة أوروبا 1988) من دون أي لقب عالمي حتى على مستوى الأولمبياد.

ولكن هولندا حضّرت لمونديال قطر مجموعة شابة تزخر بهم أندية المقدمة في أوروبا، وقد أبلوا بلاءً حسناً في الطريق إلى أول مونديال في الشرق الأوسط وفي دنيا العرب، وفي جعبتهم صدارة المجموعة السابعة بـ23 نقطة و33 هدفاً مع 7 انتصارات وتعادلين.

هولندا المصنفة رابعة عالمياً، تعتبر مونديال قطر فرصة سانحة بقيادة المدرب المخضرم لويس فان غال، ولاسيما أن سلفه ديك أدفوكات فشل في التأهل للمونديال الأخير في روسيا 2018 بعدما تساوت هولندا مع السويد نقاطاً (19) ولكن تخلفت عنها بفارق الأهداف (+17 مقابل +9).

وهذا الجيل الجديد من لاعبي هولندا يلعبون بحماسة زائدة من أجل الكأس، ومن أجل مدربهم فان غال الذي أصر على عدم مفارقتهم في تحديهم العالمي رغم إصابته بسرطان البروستات منذ 2020، خصوصاً أنه قادهم إلى المركز الثالث على حساب البرازيل في آخر ظهور لهم على ساحة المونديال 2014. ويشكّل هذا المدرب ابن السبعين عاماً عاملاً أساسياً في نجاح المجموعة بخبراته مع أقوى أندية أوروبا (أياكس وبرشلونة وبايرن ميونيخ ومانشستر يونايتد).

أكثر من فتى ذهبي بعد الجيل الذهبي
ومع تحوّل هولندا من الكرة الشاملة (منذ 1974) إلى الواقعية في 2010 الذي كان ذلك المونديال الثالث الذي تنال به المركز الثاني، فإن العناصر التي يتشكل منها منتخب 2022 تذكّر بالمهارات الفردية لنجوم الجيل الذهبي، مع ميزة الشباب. فالنجم الأبرز ممفيس ديباي مهاجم برشلونة أختير أفضل لاعب شاب في 2015 على الساحة الأوروبية، وأفضل لاعب هولندي خرج من دوري بلاده بعد مواطنه روبن، ويتمتع بقدرة المناورة والتسديد من بعيد (سجل مع ليون في مرمى تولوز من 46 متراً في 2017).

وهذا اللاعب الذي يعتبر قائد هولندا الأول في مونديال قطر كانت قميصه الأغلى في العالم بعد ميسي ورونالدو، وهو ثاني لاعب بعد رود فان نيستلروي يسجل في 6 مباريات متتالية بدوري الأبطال، كما أصبح أصغر لاعب هولندي يسجل في كأس العالم (20 عاماً و4 أشهر) وذلك في مونديال 2014. كما أنه صار ثاني هدافي هولندا بعد بيرسي (50 هدفاً في 102 مباراتين) وبالتساوي مع هانتيلار (سجل 42 هدفاً في 80 مباراة حتى 2022) واكتسب ديباي خبرات هائلة مع أيندهوفن ومانشستر يونايتد وليون وأخيراً برشلونة، وسجل للأندية الثلاثة الأولى 109 أهداف في 280 مباراة، وتصدر ديباي هدافي التصفيات مسجلاً 11 هدفاً مع 6 تمريرات حاسمة، أي أسهم في 17 من 33 هدفاً.

ونجد في تشكيلة فان غال آخرين حملوا جائزة "الفتى الذهبي"، أبرزهم ماتيس دي ليخت الذي أصبح أول مدافع يفوز بالجائزة (2018) مع أياكس، كما أصبح ثاني أصغر لاعب (17 عاماً و295 يوماً) بعد سيدورف يلعب بنهائي أوروبي (ضد مانشستر يونايتد 2017) وفي ذلك العام أيضاً شارك مع منتخب 17 سنة ليصبح أصغر لاعب يشارك مع المنتخب الوطني منذ 1931. وهذا المدافع الذي انضم إلى بايرن ميونيخ وسجل هدفاً في أول مباراة ودية، كان فاز مع يوفنتوس ببطولة الدوري الإيطالي مرتين (2019 و2020) وسجل 19 هدفاً في 181 مباراة منذ 2016 حتى 2022، بينما سجل مع المنتخب هدفين في 38 مباراة.

الطواحين في مواجهة المجهولين
مع تشكيلة هولندا أيضاً "موهبة أياكس" دافي كلاسن لاعب الوسط المهاجم في إيفرتون الذي لعب لثلاثة أندية (أياكس وإيفرتون وفيردر بريمن) 11 موسماً و268 مباراة سجل خلالها 78 هدفاً، ومع المنتخب 34 مباراة و9 أهداف منذ 2014.

فرينكي دي يونغ (25 سنة) من موهبة الموسم مع أياكس عام 2016 في الدرجة الثانية إلى قائده في نهائي أبطال أوروبا 2017، إلى اللاعب الحاسم في برشلونة منذ 2019 وبطل كأس الملك 2021 بتسجيله هدفاً ومساهمته في هدفي الفرنسي أنطوان غريزمان والأرجنتيني ليونيل ميسي أمام أتلتيك بلباو 4-صفر. لعب 203 مباريات مع فيلم وأياكس وبرشلونة، وسجل 22 هدفاً. ولعب مع هولندا 44 مباراة ابتداءً من 2018.

مونديال قطر هو المشاركة الـ11 لهولندا في كأس العالم، وخلال مشاركاتها السابقة لم تخسر في دوري المجموعات سوى مرتين من 30 مباراة، وستلعب للمرة الأولى مع قطر صاحبة الأرض والسنغال بطلة إفريقيا، فيما خاضت مباراتين وديتين مع الإكوادور (فوز وتعادل)، والأخيرة شاركت ثلاث مرات (الدور الأول في 2002 وثمن النهائي 2006 وودعت من الدور الاوّل في 2014)، فيما شاركت السنغال مرتين (ربع النهائي 2002 وودعت من الدور الاوّل في 2018).

ويبدو أن هولندا جاهزة لكل الاحتمالات بنتائجها الباهرة في دوري الأمم الأوروبية، حيث تصدرت مجموعتها بلا خسارة (ثلاثة انتصارات وتعادل) جامعة 10 نقاط ومحققة فوزاً كبيراً على بلجيكا برباعية مقابل هدف.

لذا، فإن التاريخ والمنطق يقولان إن طريق هولندا للدور الثاني سهلة، فهل تواصل للنهائي وتكسر عناده؟