كأس العالم ٢٠٢٢: "عروبة الشعب" أم "عروبة الأنظمة"؟

كريم صفي الدين
الخميس   2022/12/08
فالصورة الاستشراقية للعربي المهزوم والتابع جب أن تنكسر قبل كسر النظام وإسقاطه
 انتصر المنتخب المغربي على المنتخب الإسباني. انتصر المنتخب السعودي على المنتخب الأرجنتيني. انتصارات تاريخية على "فرق أسطورية". فأصبحنا جزءاً من الأسطورة، بالتالي انتشر الحسّ بالانتماء للفريق الذي حقق الانتصار بالرغم من الحدود والأزمات والتباين السياسي، وبالرغم من المسافات والاختلاف في اللهجة. بل أكثر من ذلك، قد يكون المغرب بلداً غريباً وبعيداً بالنسبة لعربِ المشرق العربي، وهذا تفصيل غير مهم، فانتصرنا "جميعاً" على إسبانيا..

نغمات معقدة 
ولكن يترافق هذا الحسّ بالفخر والانتماء مع "نغماتٍ" سياسيةٍ ذات تناقضات متعددة ومعقدة. فمن جهة، رُفع علم فلسطين بعد الانتصار في ظلّ مرحلة تطبيع الأنظمة، ووقفت "الجماهير العربية" وراء المغرب مطالبةً باستكمال الأسطورة، وشددت على "وحدة العرب" المتماسكة. من جهةٍ أخرى، احتفلت الأنظمة، منها أنظمة العسكر والتطبيع، بانتصارات منتخباتها، واحتفلت المنتخبات باحتفال أنظمتها. "عروبةٌ" مجتمعيةٌ انبثقت مجدداً، ولكن لصالح من؟

السياسة والرياضة
في مجال العلوم الاجتماعية والسياسية، وتحديداً في الأوساط الأكاديمية، وُجد اهتمام خاص بالعلاقة بين المنتخبات الرياضية والثقافة السياسية، وبالتالي نجد أبحاثاً حول استغلال الأنظمة لهذه المنتخبات كي تمتلك ما يسمّى "القوة الناعمة". من ناحيةٍ أخرى، بعض متابعي الأنشطة الرياضية نفسها يريدون تثبيت الفصل بين المنافسات الرياضية والسياسة، مؤكدين أنّ ديناميكيات اللعبة هي الأساس. ولكن لا مفر من موقف الفريق الإيراني في وجه النظام الإسلامي، أي النظام الذي يواجه حراكاً شعبياً واسعاً اليوم. ولا مفر من صورة رفع فريق المغرب لعلم فلسطين. ولا مفر من فكرةٍ دخلت كلّ عقولنا بعد الانتصار: هل نرى فريقاً "عربياً" على قمّة كأس العالم؟ ونكرر، لصالح من احتمالية هكذا انتصار؟

بين عروبة الأنظمة وعروبة الشعب
من هنا، نفترض وجود نوعيْن من "العروبة": عروبة الشعب وعروبة الأنظمة، بمعزل عن التقاطعات بينهما. عروبة الأنظمة معروفة؛ هي عروبة الهزيمة والبطولات المزيّفة والنكهة العنصرية والشوفينية في خطاب انتهى عصره، أي عصر البعث والتيارات العقائدية التي أنتجت حكماً لم يقدم شيئاً غير التسلّط والفشل. فهي أيضاً عروبةُ القمع والانتهاكات، وعروبة الريع واللا-إنتاج. عروبة الشعب أيضاً موجودة، فوجدت في فلسطين سنة ١٩٣٦، وبيروت سنة ١٩٨٢، وأغلب العواصم العربية سنة ٢٠١١، عندما انتفضت الشعوب على الاستعمار والاحتلال، ومن ثمّ الإستبداد والفقر وانعدام المساواة.

 ولكن في بعض الأحيان، وتحديداً في تلك الأبحاث الرياضية-السياسية، تم محو الشعب من المعادلة في تحليل "خبراء القوة الناعمة"، فهل الناس قادرين على إنجاز "الفعلِ السياسي" خارج "بنية الأنظمة"؟ هل انتصار فريق المغرب هو انتصار للنظام المغربي؟ هل رفع علم فلسطين تحدٍّ للنظام نفسه، أو فقط تمثيلية "قومية" منسجمة مع سردية النظام، تشبه تمثيلية النظام السوري ومحور البراميل والإجرام؟

أي عروبة نريد؟
في الواقع، كل "فعل سياسي عروبي" مكوّن من "عروبة الأنظمة" و"عروبة الشعب". هناك من جعل من هذه المباريات فرصة لإظهار الشوفينية العروبية، وقدّم النصر للحاكم، وبالتالي أصبح كأس العالم مناسبةً لتكريس عروبةٍ تستكمل مسيرة الماضي المهزومة التي تحدثنا عنها أعلاه. في الوقت نفسه، شكّلت هذه المناسبات الرياضية فرصة للتقارب والتضامن، فرصة كي يكون الفريق الوطني "فريق الشعب"، وليس "فريق النظام": وائل عرقجي في وجه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الفريق الإيراني في وجه الجمهورية الإسلامية والمرشد علي الخامنئي، الفريق المغربي في وجه الاحتلال والتطبيع - حتى لو كانت المواجهة خجولة ومتواضعة في كلّ هذه الحالات.

لن نقيّم هذه الأفعال من قبل لاعبي المنتخبات، ولا نقول أنّ هذه الفرق أصبحت قوى ثورية على ساحة الملعب، بل فقط علينا الإعتراف بوجودها المنفصل عن النظام، وبخصوصية اللاعبين الذين يقدمون شيئاً في ظلّ كابوس الموت وضياع المستقبل والأزمات المتتالية. بالإضافة، علينا أن نشجّع التكوين السياسي-الوطني للفرق العربية، فالصورة الاستشراقية للعربي المهزوم، للعربي التابع.. يجب أن تنكسر قبل الحديث عن كسر النظام وإسقاطه. قد يكون صعباً، وبل مستحيلاً، التخلّي عن كلّ لمسات النظام علينا، فهو المهيمن وأدبياته وأفكاره وسلطته وعساكره وحتى منتخباته، ولكن عندما نرى إشارةَ تمرّدٍ، أي إشارةَ هيمنة مضادة (كما يصفها المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي)، علينا أن نجعلُ منها انتصاراً لصالح "عروبة الشعب" في وجه "عروبة الأنظمة". وكيف ننسى أنّ، في فترةٍ ما، كان عبد الباسط الساروت الحارس الأمين لمنتخب سوريا لكرة القدم؟