رئيس "اليسوعية": الحوار الإسلامي المسيحي لا يكفي.. لبنان بالحضيض

وليد حسين
الأربعاء   2021/09/01
ستزيد المنح الأكاديمية والاجتماعية التي تقدمها الجامعة عن 29 مليار ليرة (علي علّوش)
لجأت جامعة القديس يوسف إلى خفض نفقاتها، وتسير في سياسة تقشف كبير، تزامناً مع الانهيار الحالي للبلد. ورفعت أقساطها جزئياً لمواجهة المصاريف التشغيلية.. لكن، كل ذلك غير كاف، لأن "الجامعة ليست معزولة عن المجتمع، وخلاصها من خلاص الوطن". ورغم قتامة الوضع والعودة بلبنان إلى عصر الظلام، بالمعنى الحرفي للكلمة، يرفض رئيس الجامعة الأب البروفسور سليم دكاش الاستسلام والانكفاء. 

ويقول في حديث مطول مع "المدن"، رداً على سؤال حول رؤيته لمستقبل البلد ودور الصرح الأكاديمي العريق الذي يرأسه فيه: "يوجد أمل في هذا البلد. لست متشائماً ولن أستسلم للواقع. دور الجامعة أساسي على المستوى الوطني والسياسي لإدارة البلد. ويجب أن يكون لها كلمة في هذا الشأن، كما كان لها في السابق، ويجب أن تكون مسموعة. كلمة عقلانية تتفهم الواقع وتوجهه نحو الإصلاح لبناء لبنان جديد. فلا يمكن أن نبقى في هذا الوضع المزري. ويجب المضي بالإصلاح السياسي.

لكن كيف تترجم هذا الكلام؟ تجرون لقاءات كثيرة مع المسؤولين، هل من يسمع؟ 
تحدثنا مع الجميع واقترحنا أفكاراً كثيرة، ولكن يوجد آفة أساسية في عدم الإصغاء. أو يوجد طرش سياسي. بما يتعلق بنا، خطنا الواضح هو المواطنية. وقد لا تعجب هذه الكلمة البعض، لكنها معادية لكل العصبيات والمذهبيات والمحاصصات والطائفيات والزبائنية. وكلمة الجامعة هي التنبيه بأن المسار الحالي خاطئ ويفتح الباب للصراعات والاقتتال والعنف. وكلمة الجامعة هي في العودة إلى العقل والمواطنية التي كرسها الدستور اللبناني. فالأخير ليس طائفياً كما يقول البعض ويظن الكثيرون. بل أن مصيبتنا في الفساد والزبائنية والمحاصصة التي تكرست منذ ثلاثين عاماً، لأننا لم ننق ذهنيتنا وذاكرتنا. لم يعد يكفي الحوار الإسلامي المسيحي. نحن أول من افتتح أول معهد للدراسات الإسلامية المسيحية منذ أكثر من 45 سنة. الحوار جيد ويجب أن يبقى على مستوى المجتمع. لكن يجب أن نذهب إلى ما هو أبعد من الحوار، أي إلى المستوى السياسي والدستوري، والمضي في خطى المساواة والديموقراطية وتكافؤ الفرص والمواطنة.

منذ سنة أطلقتم صرخة بأن التعليم العالي في خطر. ماذا تغير منذ سنة؟ هل تفاقم الوضع ونشهد عاماً دراسياً مظلماً؟
في الأمور الإيجابية تغيرت العلاقة مع وزارة التربية، وباتت أفضل بما يتعلق بالملفات العالقة. وهناك تعاون متبادل مع مديرية التعليم العالي واللجان الفنية ولجان الاختصاصات، وصار هناك جهد متبادل وتقدم في بعض الملفات. لكن في كل الأمور الأخرى تغير الوضع نحو الأسوأ. فالوضع الاقتصادي يسير نحو الحضيض، ومن الطبيعي أن تتأثر الجامعة، لأن تسعين بالمئة من طلابنا من أبناء البلد. وتأثرت مداخيلهم المتدنية والمستمرة بالتدني أكثر. وهذا يؤثر على الجامعات ولا سيما الكبرى منها. فلدينا كادر تعليمي كبير رفيع المستوى، كانت مداخيله في الأيام الخوالي مرتفعة جداً، وانخفضت كثيراً. وعلينا أن نؤمن لهم مداخيل كي لا يهاجروا. فقد ترك الجامعة من الكادر التعليمي المؤلف من 400 أستاذ مثبتين نحو عشرين أستاذاً، بينهم مدراء أقسام. وترك نحو عشرين بالمئة من الأساتذة المتعاقدين، لأسباب اقتصادية أو لأنهم تركوا لبنان نهائياً. 

وأضاف: الكلفة التشغيلية للجامعة كلها بالعملة الأجنبية، وخصوصاً اللوجستيات التي نحتاجها كثيراً في هذه الأيام، أي برامج المعلوماتية والمعدات الخاصة بالتعليم من بعد. فكلفتها بالدولار وارتفعت أسعارها بنحو ثلاثين بالمئة بالعملة الصعبة. وهذا يشكل عبئاً إضافياً على الموازنة. هذا فضلاً عن أن الجامعة تدفع للأساتذة باللولار، وهي بصدد رفع الأجور مطلع أيلول. وهذا يحتاج إلى تأمين مداخيل. 

لقد دخلت الجامعة في زمن التقشف الكبير. واستغنت عن مكيفات الهواء بسبب صعوبة تأمين المازوت وغلاء الأسعار. ولجأت إلى عسر كبير في نفقات الموازنة. فقد انخفضت النفقات التشغيلية بنحو أربعين بالمئة، وألغينا المؤتمرات والاحتفالات والسفر، وقلصنا ميزانية الأبحاث والدراسات، في انتظار الفرج. ولأن الموازنة التشغيلية كلها بالدولار، رفعنا نسبتها من 35 بالمئة إلى نحو خمسين بالمئة. لم نرفع ثمن الأرصدة بالدولار، وإنما اعتمدنا سعر صرف للدولار يقدر بنحو 2700 ليرة للأقساط. وذلك بغية تأمين جزء بسيط من كلفة رفع أجور الأساتذة. 

لماذا لا تعتمد الجامعة على الدعم من الخارج؟ وهل انعكس رفع الأقساط على انخفاض عدد الطلاب المسجلين؟
عملياً لم ترفع الجامعة الأقساط إلا بشكل طفيف، قياساً بغلاء المعيشة والأسعار. ولم ينعكس الأمر على تردد الطلاب في التسجيل. فالأقساط مدروسة قياساً بالجامعات الأخرى، وتراعي تراجع مداخيل أهالي الطلاب. وهذه السنة تجاوز عدد الطلاب المسجلين عن السنة الفائتة في الليسانس بنحو مئتي طالب، علماً أن السنة الفائتة انخفضت نسبة الطلاب، بسبب الهجرة وطلب العلم في الخارج، بنحو عشرة بالمئة. وارتفاع عدد المسجلين يعني أن طلاباً كثراً غير قادرين على تأمين العلم في الخارج. وهناك خوف من أن تواجه الجامعة اللبنانية مصاعب في ظل انهيار القطاع العام. في المقابل هناك ثقة عند الطلاب بأننا سنستمر رغم كل الظروف الصعبة التي تعيشها الجامعة. فنحن ما زلنا مستمرين وسنستمر في هذا البلد مهما كان الثمن.   

أما الدعم الذي يأتي من الخارج، فمخصص للمنح التي تقدمها الجامعة، من خلال مؤسسة القديس يوسف التي تؤمن المساعدات والدعم والهبات. وصحيح أننا رفعنا الأقساط بشكل طفيف، لكننا سنرفع المنح بنحو سبعة بالمئة عن السنة الفائتة. كانت المنح تطال نحو 47 بالمئة من الطلاب، وبنحو 25 مليار ليرة. لكن هذه السنة ستزيد عن 29 مليار ليرة لجميع أنواع المنح، أي المنح الأكاديمية المقدرة بنحو 25 بالمئة، والاجتماعية، التي تشكل نحو 75 بالمئة من مجمل المنح، التي تعطى للطلاب لنحو ثلاث أو أربع سنوات تعليم، وذلك بعد درس ملفاتهم في دائرة الشؤون الاجتماعية. وهناك منح الامتياز للطلاب المتميزين ولطلاب الماجستير أيضاً. 

كما أن للجامعة أنشطة متعددة لها طابع اجتماعي وتنموي، مثل تأمين مساعدات من الخارج، لمساعدة نحو 600 عائلة في إعادة ترميم منازلها التي تضررت في انفجار المرفأ. ومساعدة نحو 2000 عائلة من خلال تأمين حصص غذائية وأدوية وغيرها.

هل سيكون التعليم حضوري في الجامعة؟ وهل تتحسبون لأزمة المحروقات؟
منذ البداية وضعنا خطة كي يكون التعليم مدمجاً. جائحة كورونا لم تنته بعد ولا نستطيع فتح الجامعة لنحو 13 ألف طالب يحضرون جميعهم إلى الصفوف والقاعات. اعتمدنا التعليم المدمج كي لا نقع بمشكلة صحية، ونحافظ على التباعد الاجتماعي في الجامعة. وهناك جزء من طلاب رفض أخذ اللقاح. وتقوم خطة التعليم المدمج على تخصيص الكليات يومين للتعليم الحضوري وثلاثة من بعد.

هذا على المستوى الصحي، لكن اللجوء إلى التعليم من بعد سببه الآخر اقتصادي، والكلفة المرتفعة على الطلاب وعلى الجامعة في ظل أزمة المحروقات. نتحسب للأيام المقبلة وانعكاس غلاء المحروقات على قدرة المواطنين في الانتقال.

حصة التعليم من بعد تبدو كبيرة. هل نجح هذا التعليم السنة الفائتة؟ وأين أصبح القانون الذي يشرعه؟
التعليم من بعد نجح مئة بالمئة في الدروس النظرية. لكن في الدروس التطبيقية، ورغم كل الجهد الذي بذل، وتخصيص نظام محاكاة فائق الدقة، لا يمكن أن يحل التعليم من بعد مكان حضور الطالب إلى المختبر. ففي الدروس التطبيقية كان النجاح بنسب متفاوتة، تراوحت من عشرين إلى خمسين بالمئة فقط. وهناك معضلة الامتحانات من بعد، التي لم تنجح أبداً، وحصل فيها بلبلة بما يتعلق بالعلامات والنتائج، واستسهل العديد من الطلاب الأمر. ما يدفعنا إلى جعل الامتحانات حضورية حصراً.
أما بما يتعلق بالمعضلة القانونية لتشريع التعليم من بعد، فقد تلقينا الوعود بإقرار القانون الذي درس في لجنة التربية النيابية في أول دورة تشريعية يعقدها البرلمان. وسيكون له مفعول رجعي عن السنتين الفائتتين والسنة الحالية.