الاعتداء على واصف الحركة: السلطة تعود إلى ميليشياويتها

نادر فوز
السبت   2020/07/04
هتاف متجدّد في وجه قمع السلطة: "ما منخاف وما منطاطي... شبيح السلطة عصباطي" (علي علوش)
آخر إنتاجات التشبيح والبلطجة والترهيب والتخويف، اعتداء على الناشط والمحامي واصف الحركة. فمن الميليشيات انبثقت هذه السلطة، أغلب أحزابها إن لم يكن كلها، وإلى الميليشياوية تعود.
هذا نهج مساره واضح، وأفقه أوضح. نهج بدأ بالقمع والسحل في الشوارع. واستكمل في حركة بلطجيين وشبيحة، ولاحقاً بالاستدعاءات القضائية والتوقيفات الأمنية. ووصل إلى الاعتداءات المباشرة والموجّهة لناشطين وأفراد. والأصح من كل هذا، أنّ ميليشيات السلطة فتحت مرحلةً جديدةً من المواجهة، مرحلة وعد بها عدد من أزلامها قبل أيام بتسويق خطابات التخوين والتوعّد بإنهاء التحرّكات والاحتجاجات؛ لزوم ما لا يلزم في متابعة سياسة الفشل والعجز والقمع. إنها مرحلة قنص الناشطين، التي افتتحتها السلطة بعد ظهر اليوم الجمعة في اعتداء علني وواضح، بلا خجل ولا تستّر.

قنص فردي
أنهى واصف الحركة مقابلة إذاعية في إذاعة صوت لبنان- الأشرفية، وخرج من ستوديوهاتها ليجد أنّ أربعة شبان على دراجات نارية بانتظاره لإشباعه ضرباً. في وضح النهار، في شارع عام، وعلى مرأى من الناس وكاميرات المراقبة، تم الاعتداء. على بعد عشرات الأمتار من مركز أمني للجيش اللبناني، ومئات الأمتار من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، حصلت الهجمة. انهالوا عليه بالضرب بـ"بوكسات" حديدية. على رأسه في وجهه، فمه وخدّه، أينما تيسّر. أدموه وتركوه، والرسالة وصلت. وقع الاعتداء بعد أن تلقّى الحركة، بحسب مقرّبين منه، اتصالات وتهديدات كان آخرها قبل يوم واحد من الجريمة. وبهذه الرسالة، تكون السلطة قد انتقلت من تكتيك الاستفراد بالمجموعات (جلّ الديب، الذوق)، ثم الاستفراد بالمناطق (طرابلس، قب إلياس ومكسة)، إلى الاستفراد بالأشخاص. كأنّ المواجهة تحوّلت إلى ثأر شخصي، علّ الناس تتّعظ. لم تفهم بالقمع الجماعي، علّها تفهم بلغة الاستفراد في رسائل أكثر دموية.

فجور ميليشياوي
ما حصل مع الزميل محمد زبيب في شارع الحمرا في شباط الماضي، تكرّر الجمعة لكن على نحو فاضح. زبيب، استُفرد به في موقف للسيارات، في عتم الليل وبعيداً عن الناس. الحركة، استُفرد به على ضوء وأمام الناس، من دون أقنعة ولا قفازات. الميليشياوية أعلى مراحل التشبيح والبلطجة. ما حصل فعل ميليشياوي، عن سابق تصوّر وتصميم وتحضير وتوقيت. وكما ارتبط الاعتداء على زبيب بشخص سياسي ومصرفي، يرتبط الاعتداء على الحركة بطرف سياسي وميليشياوي. وكما كشفت القوى الأمنية الحادث الأول، أمامها مهمة مفترضة سهلة لإتمامها.

من القادر على تحدي القانون والناس بهذا الشكل المفضوح؟ ثمة تجارب سابقة كثيرة يمكن أن تدلّل على الفاعل. وبانتظار بيانات سياسية وحزبية تشير إلى استنكار أفعال "عناصر غير منضبطة"، ينتظر الحركة وغيره من ناشطي وناشطات ثورة 17 تشرين، تحقيقات القوى الأمنية. استحصلت الأخيرة على شرائط كاميرات المراقبة لمكان الاعتداء حيث ظهر الجناة بملء وجوههم وهم ينفذون الجريمة. مع العلم أنّ وزير الداخلية والبلديات، سارع إلى التغريد على "تويتر" كاتباً "‏نستنكر الاعتداء الذي تعرض له المحامي واصف الحركة، فحرية الرأي والتعبير مصانة في الدستور ويحميها القانون. التحقيق بدأ والعمل جار على كشف الفاعلين وتوقيفهم".

ردّ الحركة
من أمام مستشفى أوتيل ديو حيث خضع الحركة للعلاج والكشف الطبي، تجمّع المئات منددين بالاعتداء. ناشطون وناشطات، محامون، أصدقاء، هتفوا "ما منخاف وما منطاطي... شبيح السلطة عصباطي". خرج الحركة من المستشفى وكانت له كلمة واضحة رداً على رسالة الترهيب، فأكد على أنّه "مهما فعلتم، لن نتوقف. هذا دليل خوف النظام، علينا التعوّد على هذه الممارسات، لا يمكن أن نتراجع الآن، كلما زادوا الضغط الأمني سنزيد قناعة بالتحدي، ما حصل متوقّع وليس جديد علينا، ومستمرون بخيارنا ولو بكلفة حياتنا، نحن في معركة مصيرية في مواجهة منظومة فساد كلن يعني كلن". كما كان كلمة لنقيب المحامين، ملحم خلف، الذي قال "إننا نشهد مرحلة تفلّت أمني غير مقبول، لا يمكن أن نقبل بأي شكل من الأشكال أن تواجه الكلمة بالعنف والإيذاء، ما تعرض له واصف الحركة غير مقبول ولا نقبل به، الاعتداء الجسدي خط أحمر".

من الميليشيات انبثقت هذه السلطة، وإلى الميليشياوية تعود. هذا نهج السلطة وسلوكها في مسار الدولة البوليسية التي تأخذنا إليها. لا تعرف أساليب أخرى غيرها، لم يشبعها القمع ولا السحل، لأنّ الدم يحييها اليوم كما دائماً.