يوميات مريضة كورونا: شفائي قريب.. والتستّر هو العيب

نادر فوز
الخميس   2020/04/09
عكس ما يقتضيه كورونا، الإعلان عن الإصابة لا يستوجب ارتداء قفازات (Getty)
ليال (اسم مستعار)، أصيبت بكورونا منتصف آذار الماضي. وصدرت نتيجة فحصها الإيجابي أول الشهر الحالي. ولا تزال تنتظر في الحجر إجراء فحص إضافي بعد أسبوع، للتأكد من شفائها التام.

ليال تعيش في الحجر منذ ثلاثة أسابيع، وحيدةً، مع هاتف ولابتوب ووظيفة تؤدّيها عبر الإنترنت. تمارس الرياضة حيناً، وتنام حيناً آخر. هاجمها كورونا، لكنها تمالكت نفسها وكانت وعائلتها أوعى من الفيروس والأمراض الاجتماعية، كالعيب والخجل والتستّر. كل العائلة عزلت نفسها، وأعلنت إصابة الابنة في بيان، عمّمته في البلدة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، علّ من احتكّ بها أو خالطها أن يحذر ويقف في مواجه انتشار المرض. فإن كان كورونا يستوجب ارتداء قفازات، الإعلان عن الإصابة به لا قفازات فيه. المصاب يذهب إلى حجر أو المشفى، كل بحسب حالته. ومن خالطه كذلك، والباقي على الأطباء أو العناية الربّانية، الأمر متروك للمصابين وإيمانهم أيضاً.

إصابة في العمل 
ليال (28 عاماً) تعمل في مجال الأعمال التجارية والمالية في إحدى الشركات شمالي لبنان. في الأسبوع الثاني من آذار، تبيّن إصابة أحد زملائها في العمل بفيروس كورونا. كان سبق لها أن اتّخذت الإجراءات اللازمة من وقاية وتعقيم، إلا أنّ الفيروس الخسيس تجاوز كل تلك الإجراءات: "حجرت نفسي مباشرة بعد أنّ تبيّن إصابة زميل لي، فالأكيد أنّ اختلاطاً حصل نتيجة الاجتماعات مع الموظفين". عادت إلى منزلها، الذي تقطنه وأهلها، مساء الخميس 12 آذار وعزلت نفسها في غرفة. عاشت فيها بعيداً عن أهلها، علّ سماكة الباطون تمنع اختلاطاً قاتلاً. يأتون لها بالطعام إلى باب الغرفة ويتركونها في عزلتها.

عوارض وفحص
بدأت عوارض كورونا بالظهور على ليال بعد يومين. يوم الأحد، وجع بالصدر، أوجاع رشح، وارتفاع الحرارة إلى 38 درجة. بات الخضوع للفحص المخبري ضرورياً. وفي اليوم التالي استكملت العوارض مع احتقان في الجيوب الأنفية والحرارة أيضاً. فقصدت مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي: "كان مزدحماً جداً، ففضلت الذهاب إلى مختبر آخر". توجّهت إلى مستشفى الجامعة الأميركية، وخضعت للفحص على نفقتها الخاصة. وفي اليوم التالي، ظهرت إيجابية الاختبار. تبلّغت بها عبر الهاتف. كان الخبر صادماً: "انزعجت كثيراً عندما أبلغوني بالأمر، لكن تخطيّت الموضوع بسرعة، لكون الفيروس يمكن أن يصيب الجميع". ليست ليال وحدها في هذا المصاب، بل المليارات السبع الذين يقطنون هذا الكوكب. عزّاها هذا الواقع ولو كان أليماً.

عزل انفرادي
بعد إيجابية الفحص، اضّطرت ليال إلى ترك منزل والديها وعزل نفسها في شقة أخرى. فتشير إلى أنّ "البلدية أمّنت لي الإقامة منعاً لانتشار المرض". وعي بلدي جيّد في قضاء البترون. وأهلها عزلوا أنفسهم أيضاً في منزلهم، أصدروا بياناً للتأكيد على إصابة ابنتهم، وتنبيه كل من كان حولها في الأيام الماضية إلى حقيقة الأمر. "لا يزال أهلي في الحجر ولو أنهم لا يعانون من أي أعراض"، تقول ليال. وهم لم يخضعوا للفحص لأنّ من لا تظهر عليه العوارض لا يخضع للاختبار. لكنّهم مصرّون على عزل أنفسهم. وعي اجتماعي ممتاز، يمكن أن يدرج في قائمة التجارب الناجحة لمنع انتشار عدوى الفيروس. تجربة حيّة، مكّللة بالنجاح. ليال على أبواب شفائها المؤكد بعد أيام، وأهلها بخير وقاموا بواجب العزل وضرورة تحذير من حولهم.

ثلاثة مخاوف 
تعيش ليال وحدتها في العزل منذ ثلاثة أسابيع. كأنها في زنزانة، ولو بغرف واسعة وإنارة دائمة وكل ما في أثاث المنزل من كماليات. تشير إلى أنه في الأيام الأولى "خفت من تفاقم العوارض أو مضاعفاتها، ومن أن يصبح وجع الرأس شديداً أو حالة التعب أيضاً". لكن ذلك لم يحصل. وتبيّن لي أني قادرة على الاستمرار من دون دخول المشفى. أتابع حالتي مع طبيب على الهاتف، وأتواصل مع وزارة الصحة بشكل دوري لاطلاعهم عليها: "يسألونني دوماً عما إذا كنت بحاجة إلى دخول المشفى، لكن أنا قادرة على التحمّل ولا حاجة لذلك". لكن ما أرهب ليال فعلياً أن تكون قد نقلت عدوى كورونا لأحد. ربما تحديداً الأهل الذين بقيت معهم ثلاثة أيام في الحجر قبل إجراء الفحص. رعب كورونا يتمدّد. فيشمل أيضاً عوارض "أني لا أزال إلى اليوم فاقدة لحاستي الشم والتذوّق، وأخاف أن يطول الأمر". ليال خائفة من استمرار فقدان هاتين الحاسّتين نهائياً، وهو ما لم تشر إليه أي من الدراسات العلمية حتى اليوم.

دعم مستمرّ
تؤكد ليال أنّ ما مكّنها من تجاوز "قطوع كورونا هو الدعم الذي تلقّيته من جميع من حولي". أمّنت لها البلدية مكاناً للحجر، ويقوم ناشطون من البلدة بتأمين الحاجيات الغذائية اللازمة إلى باب منزلها. يعقّم الناشطون الأغراض ويضعونها على مدخل البيت، "الحمد لله خرجت من المرض بأقلّ ضرر ممكن". تعتبر ليال نفسها في إجازة. "أعمل، أرتاح، أنام، أمارس الرياضة"، تقول. في الأيام الأولى "كنت أتناول دواء بانادول فقط، فلا دواء لكورونا، واكتفيت ربما بـ4 حبوب من الدواء فقط". مرّ "قطوع" كورونا على خير، وليال على عتبة العودة إلى الحياة الطبيعية.

تقول ليال إنّ "على كل من يشكّ بأنه مصاب أن يعزل نفسه. فليس العزل شيئاً مخيفاً ويجب الإعلان عن الإصابة لحماية الآخرين". فالتكتّم غير مبرّر والخجل من الأمر ضرب من العته. "كل منّا معرض ولا خيمة فوق رأي أحد"، تضيف ليال. تبدو متحمّسة للعودة إلى الحياة الطبيعية وشفائها الكامل من كورونا، على الأقلّ لاستعادة الشم والتذوّق.. والأكل بشهية.