كورونا في قرى بعلبك: أمن ذاتي.. وتقبّل التعازي بالهاتف

صبحي أمهز
الأربعاء   2020/03/25
يعتمد أهل بعلبك - الهرمل على مبادرات بلدية وشبابية وحزبية (Getty)

استفاق المارد الوقائي في البقاع، فبعد أن دأب هذا الشطر من الجمهورية اللبنانية على التسليم بمشيئة "القدر"، ها هم أبناء بعلبك الهرمل ينتفضون لأمنهم الصحي حرصاً على حماية القادم من الأيام.

علي النهري-رياق نموذجاً
على طريق علي النهري-رياق كل شيء يدل على الإلتزام، فالمحال جميعها مقفلة باستثناء الصيدليات ومحطات الوقود، وبعض المؤسسات المختصة ببيع المواد الغذائية، مع التشدّد بعدم السماح بالدخول إلا للأفراد الذين يضعون الكمامات مصحوبة بالتعقيم اليدوي.

أما الطرقات الداخلية فجميعها مفتوحة أمام المارة مع عدم ملاحظة أي انتشار للحرس البلدي أو لقوى الأمن الداخلي، ربما بسبب اتخاذ منطقة رياق طابعاً "سيادياً" نتيجة وجود قاعدة رياق الجوية في البلدة.

الناصرية أمن صحي.. ومبادرة شبابية
بالانتقال من رياق إلى الناصرية عبر الرملية، يبدو جلياً أن بلدية الناصرية تضع عناصرها في وضعية الجهوزية الصحية، حرصاً على سلامة الداخلين والقاطنين في بلدتهم. حيث ينصب فوج الحرس البلدي حاجزاً يتفحصون عبره حرارة المارة ضمن إطار حملة "الدفاعات البلدية الكورونية".

على الصعيد التكافلي، يعي أبناء النصرية جيداً ضعف إمكانات الدولة في هذه الأزمة العالمية، فاستنفروا قدراتهم الذاتية، وبدأوا بجمع حملة تبرعات بهدف شراء حصص غذائية وتوزيعها على العائلات الأكثر فقراً، في القرى الممتدة من الناصرية، علي النهري، رياق، وحارة الفيكاني.

للنبي شيت خصوصيتها
في النبي الشيت، لا يختلف المشهد في الشكل عما سبقه في الناصرية لجهة الإجراءات والمساعدات العينية، إنما ما يتغير هو مضمون القوى المؤازرة للسلطات المحلية. ففي البلدة التي عرفت تاريخياَ بتجذر ثنائي حركة أمل- حزب الله بداخلها، يبدو جلياً أن الثنائي الشيعي ينشط صحياً إلى جانب بلديتها.

ففيما يتعلق بحواجز "الفحص الحرارية"، تتولى "حركة أمل" مهمة توزيع الكمامات والمعقمات على أبناء البلدة، بينما تنتشر عناصر "الهيئة الصحية" التابعة لـ"حزب الله" إلى جانب الحرس البلدي للتأكد من حرارة المارة الجسدية.

وكما تختلف النبي شيت عن الناصرية في الشق الصحي، فهي تختلف كذلك في الشق "المساعداتي". فتوزيع الحصص الغذائية في هذه البلدة ليس من "صلاحية" المبادرات الشبابية الفردية، بل جيرت المساعدات إلى "حزب الله" وسلّة "عطاءاته القروية" التي عرفت اصطلاحا بسلة العطاء التي تُجبى من دكاكين المنطقة بما يشبه الصدقات السلعية لا النقدية.

اللبوة.. سواتر ترابية
بالانتقال من مربع رياق، علي النهري، الناصرية فالنبي شيت، تبدو بلدة اللبوة فريدة في "المبادرة الحجرية"، ففي البلدة الوسطية بين مدينتي بعلبك والهرمل، استعاضت البلدة عن النقص في عديد شرطة بلديتها التي لا يتجاوز عددهم الحراس العشر، بإقفال مداخل البلدة الفرعية بالسواتر الترابية، فيما توزّعت عناصر سلطتها المحلية على المدخل الرئيسي المعروف بطريق اللبوة- عرسال.

وإذ تغيب المساعدات العينية عن هذه البلدة، تظهر مبادرة فردية لأحد أبناء البلدة الذي يستمر في الحجر الصحي منذ عشرين يوماً إثر عودته من أيطاليا.

وعلى الرغم من أن أي عارض من "الدلالات الكورونية" لم يظهر على الشاب المحجور، إلى أنه أبى أن يختلط بمحيطه قبل ظهور عينات الفحص التي ارسلت إلى الجهات الطبية المعنية.

تعديل السلوكيات
ومن إجراءات الوقاية اللامركزية، إلى تعديل السلوكيات الاجتماعية. فبعد الاستنفار البلدي وكل ما رافقه من خطوات تكافلية وحمائية، طفى اليوم على سطح الأدبيات البعلبكية مفهوم تقبل التعازي عن بعد. ففي ظل الإلتزام بإعلان "حالة الطوارئ الصحية"، تحمل أبناء بعلبك مسؤولياتهم الصحية وأخذوا يحمون أنفسهم بأنفسهم من خلال التخلي عن مفاهيم الماضي واستبدالها بما يواكب التحدي الوبائي، إذ بدأ أبناء بعلبك- الهرمل الإعلان عن وفياتهم في العالم الإفتراضي مع التشديد على ضرورة عدم التجمع.. وتقبل التعازي هاتفياَ.

وبين المبادرات الفردية، المصحوبة بخطوات محلية هنا واستثمار حزبي هناك، يبدو أن التزام أهل بعلبك-الهرمل بإجراءاتهم الوقائية الذاتية، ليس سوى حرص على الحياة في منطقة غيبت عنها الإرادة السياسية الحياة الإنمائية، فهل يشكل "كورونا" مقدمة لتفعيل مبدأي اللامركزية والإنماء المتوازن؟