لماذا يردد بعض اليساريين هتافات ماتت قبل ولادتهم؟

وليد حسين
الأربعاء   2020/02/26
هل يستطيع اليسار أن يبتدع شعارات تحاكي الطيف اللبناني (علي علّوش)

بينما كان بعض الشبان اليساريين يهتفون هتافهم القديم: "رصوا الصفوف رصوا الصفوف/ مع العمال والفلاحين/ مع اليسار ضد اليمين"، مرت سيدة أنيقة تحمل حقيبة يد من الماركات الفاخرة، فقال صديق شيوعي سابق، كان إلى جانبي: "لا تغرّك المظاهر، هذه فلاحة سمعت الهتاف فنزلت إلى الاعتصام".

شعارات خاوية
حدث هذا أثناء اعتصام أمسية الثلاثاء 25 شباط الجاري، أمام مبنى البنك الدولي في وسط بيروت، والذي دعت إليه المجموعات الناشطة.

كانت المشاركة في الاعتصام ضعيفة، فاقتصرت على نحو مئة ناشط وناشطة، أتوا للاعتراض على سياسات هذه المؤسسة المالية الدولية، التي طلبت الحكومة اللبنانية مشورتها ومساعدتها لمعالجة الانهيار المالي في البلاد. عبارة الصديق تلك تسخر من الشعار العتيق الذي كان يردده حزبه العتيق، وتنتقد مثل هذه الشعارات التي ما برح بعض اليساريين يتناقلونها من جيل إلى جيل - رغم خوائها - ورددوها في انتفاضة اللبنانيين الأخيرة، ومازالوا يرددونها، رغم أن عصب الانتفاضة الأساسي هو الطبقة الوسطى والنساء.

هوامات قديمة
في ذلك الاعتصام المسائي الذي رفع فيه المشاركون لافتات مثل: "البنك الدولي يدمر لبنان"، و"البنك الدولي راعي الفساد"، و"لا نريد تمويلكم وقروضكم"، لم يلتفت الشبان إلى أن أصحاب الدخل المرتفع يشاركون في التظاهرات كلها أكثر بكثير من العمال والفلاحين المتخيلين في هواماتهم القديمة، وأكثر ومن المنتمين لليسار.

رغم ذلك يصرون على نبذ هذه الفئات. وهذا ما تقوله وتنضح به هتافاتهم، غير عابئين إلى أن أصحاب المؤسسات والشركات متضررون من كل السياسات المالية والاجراءات المصرفية والقروض وفوائدها الفاحشة. وهم تظاهروا ورفضوا ودعوا لتنفيذ احتجاجات. حتى أن أحد الناشطين في المجموعات الفاعلة انتقد اليساريين ساخراً، فقال إن بعض أصحاب "رأس المال" الصغار، مول بعض الحافلات التي تقل المتظاهرين.

لكن بعض اليساريين يصرون على هتافات متخشبة أو ماتت قبل ولادتهم ودفنتها الحروب الأهلية. ومن هذه الهتافات: "يا دولة حيتان المال/ دفعي حقن للعمال". كأنما الحق للعمال وحدهم دون سواهم من اللبنانيين الذين يهتفون: "يا دولة وينك وينك/ غرقتينا بدينك".

وبدل التفكير الجدي للضغط لإجراء انتخابات نيابية مبكرة - وهذا مطلب يلقى صدى حتى لدى بعض أقطاب السلطة، لإعادة تكوينها من جديد، بناء على المطالب التي رفعت في انتفاضة تشرين - يصر البعض على هتافات لا تغني ولا تسمن. لا بل تحمل شطراً كبيراً من اللبنانيين على الانصراف عن التظاهر.

العلم اللبناني الجامع
"البنك الدولي منو الحل فلتسقط سياسة الذل"، هتف المتظاهرون، لرفض سياسات البنك التي ستعالج الانهيار بالمزيد من الديون وفرض الضرائب على المواطنين. بينما يجب على أركان السلطة كلهم ومصارفهم أن يدفعوا ثمن الفساد والهدر والنهب والانهيار، والسياسات المالية المتبعة على مدى عشرات السنوات. وهذا ما قالته المجموعات الناشطة في بياناتها السابقة.

لكن هل يبقى بعض اليسار متشبثاً بشعارات خاوية وبمخاطبة فئات لا وجود لها في التظاهرات وساحات الاعتراض، ولا خارج جمهور حزبي ضيق؟ هل يستطيع أن يبتدع شعارات تحاكي الطيف اللبناني، أسوة برفع العلم اللبناني الذي تميزت به التظاهرات طوال الشهور الفائتة من الانتفاضة؟ فلماذا يرفع اليساريون العلم اللبناني؟ أليس لملاقاة جميع المنتفضين حول "الهوية اللبنانية" النابذة للسلطة، والصارخة بوجه أركانها: "حرامية" و"كلن يعني كلن" سرقوا المال العام؟ وهذه من الهتافات التي لاقت إجماعا.

بغير هذا لا جدوى من رفع العلم اللبناني غير إخفاء الهوية الحزبية التي تفضحها تلك الشعارات الحزبية.