زغرتا تنتفض على حيرتها بعد الأحد اللبناني العظيم

أورنيلا عنتر
الثلاثاء   2019/10/22
انتفضت زغرتا معقل زعامة آل فرنجية، نهار الإثنين (أورنيلا عنتر)
في نهار الأحد  اللبناني  العظيم (20 تشرين الأول الجاري)، لم تكن التحركات في زغرتا على قدر الاحتجاجات التي عمّت المناطق اللبنانية.


يوم زغرتا
لكن المدينة الشمالية معقل زعامة آل فرنجية، عوّضت يوم الاثنين عن الأيام الفائتة، فتجمع حوالى ألف شخص عند دوار منطقة العقبة، وهتفوا للثورة ورددوا الشعار العابر للمناطق كافة: "كلن يعني كلن"، على غرار طرابلس، جارة زغرتا التي استعان متظاهروها بموسيقى اجتمع الزغرتاويون وتحلقوا  لسماعها، وخصوصاً المراهقون والشبان والشابات الذين جاءوا من أحياء المدينة وقرى القضاء، ليعبّروا عن نقمتهم.
المشهد غير مألوف في زغرتا، التي اعتمد الزغرتاويون الشبان والشابات مصيفها إهدن وميدانها مكاناً لسهراهم الصيفية.

عدد كبير من المحتجين توافدوا من القرى ومناطق الأطراف التي لا تشهد احتجاجات أو تحركات مطلبية إلا في ما ندر. ففي بلدة مجدليا المحاذية لزغرتا، اتسمت التحركات في الأيام الماضية بالخجل أو حتى بالخوف، إثر إقدام جمع من أهالي البلدة على حرق صورة ضخمة للنائب طوني فرنجية، وما لبثوا أن اعتذروا منه ومن تياره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، في اليوم التالي. لكنّ مشهد الأحد العظيم أشعل الحماسة في نفوس أهالي قضاء زغرتا، ليدلوا بدلوهم ويشاركوا في انتفاضة لبنان.

شهادات زغرتاوية
في هذا السياق يقول جيلبير معوض (33 سنة) أنه يشارك في التحرّك لأن الوقت حان ليقف الشعب مع الحق ويطالب باستعادة أمواله المنهوبة وبحقوقه المدنية والمعيشية المحروم منها. ويشدّد معوض على شعار "كلن يعني كلن"، معتبراً "الطبقة الحاكمة واحدة ولا تُجزّأ"، ويشببها "بأخطبوط يتقاسم حقوق الشعب وأمواله فوق الطاولة ومن تحتها، أي بشكل مباشر وغير مباشر". شارك معوض في الحراك منذ اليوم الأول في زغرتا، حتى يوم الذروة الاثنين.

رامي الدويهي شدد على الشعار نفسه "كلن يعني كلن"، من دون أي استثناء، أي القوات والمردة والتيار الوطني الحر والاشتراكيين وسواهم. أمّا عن التحرك اليوم بعد سنين من إفقار الشعب اللبناني، فيعتبر الدويهي أن "الموسى لامس أخيراً رقبة المواطن اللبناني ووصلت حال البلاد إلى قعر القعر".

جورجيت حرب تطلق صرخة وتردد ثلاث مرات أن "الشعب لا يريدهم كلهم"، أي الأحزاب الشخصيات السياسية كلها. تشرح موقفها: "أخذ اللبنانيون نفساً عندما أُطلق شعار الإصلاح والتغيير، بعدما أنساهم اليأس الإصلاح التغيير". تدعو جورجيت اللبنانيين كافة إلى النزول إلى الشوارع، إلى إخلاء منازلهم وشرفاتهم والهتاف ضد "الحرامية"، مذكرة أن لبنان فيه الكثير من الشرفاء ويمكنهم أن يستلموا زمام الأمور.

قيادة المردة لا تخاف
المشهد في الشارع الزغرتاوي متنوع طائفياً واجتماعياً ومناطقياً وسياسياً في القضاء الواحد. هناك وجوه تعدّ من مؤيدي تيار المردة أو حركة الاستقلال التي يرأسها النائب ميشال معوض. ويؤكد "المردة" و"حركة الاستقلال" أنهم تركوا لمحازبيهم وأنصارهم حرية المشاركة في الحراك، أو العزوف عنها. فبحسب مسؤول مكتب الشباب والطلاب في تيار المردة، جورج دحدح، إن حزبه لا يحاول بأي شكل من الأشكال أن "يركب موجة" الحراك أو أن يستعطف الناس على غرار الخطوة التي قام بها حزب القوات اللبنانية. يقول: "لشباب وطلاب المرده الحرية الكاملة بالتحرك، يمكنهم أن يشاركوا أو أن يعزفوا، ولم يصدر عن التيار أي قرار رسمي بالحشد أو بعدمه". يعتبر دحدح أن جمهور المردة يعرف خير المعرفة من هو سليمان فرنجية ومن هو ابنه طوني. ونسجاً على منوال شعار "مرتاح شعبه وفيّ"، الذي رفعه المردة في الانتخابات السابقة، يؤكد مسؤولها أن قيادتها مرتاحة ومطمئنة لا تخاف من أن "يفرط جمهورها".

هل يعتبر تيار المردة وجمهوره أنهم معنيّون بالشعار الأساسي للانتفاضة "كلّن يعني كلّن"؟ يقول دحدح أن لا مشكلة لتيّاره مع أي من الشعارات المتداولة، لكنه يبدي تحفّظا إزاء خطاب بعض المتظاهرين الذين يدعون المحازبين ومناصري الحزب للعزوف عن المشاركة في الانتفاضة: نحن ضد خطاب "المحازب خليه ببيته". فهذه الثورة "يفترض أنها لكل الناس، والمواطن المحازب هو شخص يسعى لوطن أفضل من خلال عمله الحزبي. لكنّ قدرة بعض الأحزاب محدودة مقارنة مع غيرها".

في الختام، وعلى الرغم من اعترافه أنّ الحراك دليل على أنّ شيئاً ما قد تغيّر في لبنان، يذكّر دحدح أن لبنان وطن ديموقراطي ينتخب طاقمه السياسي كل أربع سنوات. والمواطنون مدعوّون للتغيير في الصناديق.

حركة الاستقلال الحائرة
مصدر من حركة الاستقلال يعتبر أن "الحراك عفويّ ولا يجوز استغلاله من أي طرف سياسي. والوقت هو لسماع مطالب الناس لا للتحدث نيابة عنهم". والمرجحّ أن الحيرة تتربّص في نفوس مناصري حركة الاستقلال، وملتزميها رسمياً وداعميها. وتتجلى حيرتهم في حنينهم الجارف إلى انتفاضة الاستقلال في العام 2005، والتي لا شكّ في أن الثورة الحالية تذكرهم بها. فانتفاضة الاستقلال أو الأرز شارك فيها رئيس الحركة النائب ميشال معوض مشاركة بارزة. لكنه في الانتخابات النيابية الأخيرة انضم  إلى صفوف تكتل لبنان القوي العوني - الباسيلي. مع ذلك يؤكد المصدر في حركة الاستقلال: "غياب أي تناقض يشوب تفهّم الحركة ورئيسها لثورة الناس". 

زغرتا تستفيق وطرابلس متنفّسها
الأستاذ الجامعي والباحث في علوم السياسة، ميشال الدويهي، يعتبر أنّ وقع سلطة العائلات على المشهد في زغرتا لا يزال قوياً. والطرف السياسي الأقوى فيها، أي تيّار المردة، مشارك في السلطة مثل الأطراف السياسية كافّة في البلد، أكان على صعيد السلطة المحلية (العمل البلدي) أو على الصعيد الوطني، من خلال المشاركة في السلطة التشريعية والتنفيذية.

من هذا المنطلق يرى الدويهي أن "حماسة تيار المردة ضد العهد وجبران باسيله، لا تعفيه من المسؤولية والمشاركة في السلطة". وهذا ما يؤكده دحدح أيضاً، معتبراً أن مشاركة جمهور تيار المرده في التظاهر بناء على قرار رسمي منه، يكون بمثابة تهرّب من المسؤولية. ويضيف: "لن نحذو حذو حزب القوات الذي نكنّ له كل الودّ". 

أما الدويهي فيتمّنى أن تنتقل زغرتا من موقعها الى موقع أفضل، تماما كما انتقل لبنان ومناطقه كافية، لا سيما تلك القابعة تحت القبضة المحكمة للثنائي الشيعي. "ففي زغرتا الناس محرومة أيضاً ومتذمّرة من الحال التي آلت إليها الأمور في القضاء وفي البلد عامة". أمّا عن التحركات الصغيرة والتحرك الأكبر الذي حصل يوم الاثنين في زغرتا، فهي دون أي شك فسحة أمل. ويختم الدويهي: "طرابلس أيضاً فسحة أمل للزغرتاويين، فعدد كبير منهم يتوجه إليها للمشاركة في الانتفاضة".

في زغرتا يكبر الحراك وتعلو الصرخة. وفي كل الأحوال، تبقى طرابلس فسحة ثورة لأهالي زغرتا، كما كانت لهم دوما فسحة ومتنفّساً، باعتبارها المدينة الأولى التي عرفها الزعرتاويون وعملوا وسكنوا فيها مديداً قبل حرب 1975.