نزار صاغية: السلطة كانت أسرع من الحراك

أورنيلا عنتر
الخميس   2016/08/04
في رأي صاغية كانت الحاجة إلى خطاب مقنع وموّحد (علي علوش)
في 22 تموز 2015، بدأت تحركات ما سيعرف لاحقاً بـ"الحراك المدني"، على خلفية أزمة النفايات. أقله، في السنوات الخمس الماضية، كان الحراك التجربة الأكثر تعبيراً عن سعي فئات متعددة من اللبنانيين إلى إحداث تغيير ما، وإن لم تكن خاتمته، وما وصل إليه أو أنتجه، واضحة أو جذرية. كان تجريباً ضرورياً، في كل الأحوال. خلال الأيام المقبلة، تستعيد "المدن" الحراك في سلسلة مقابلات مع أبرز فاعليه. وفي ما يلي مقابلة مع المحامي والناشط نزار صاغية.


"هي صرخة غضب لم تنجح في أن تتبلور بالشكل الذي يتيح لها أن تتحوّل إلى حركة اعتراضية ممأسسة". بجملة بسيطة وواضحة يعرّف صاغية الحراك. يقول إنّ عدم قدرة الحراك على بلورة نفسه هو ما أضرّ به وأدّى إلى تراجعه السريع، وبالتالي عدم تحقيقه النتائج المرجوّة، واقتصاره على هبّة شعبيّة. "لكن رغم الإخفاقات، يبقى الحراك حدثاً مهمّاً في تاريخ لبنان، لكونه حقق مكسباً أساسيّاً هو اثبات أنّ الاحتمال قائم، وأن قيام حركة اعتراضية في لبنان أمر ممكن، لكن في ظروف مختلفة تكون مناسبة أكثر لتأسيس حركة تدوم وتحقق التغيير"، وفقه.

"كان يقال دائماً إنّ خلق حركة عابرة للطوائف ومناهضة للزعماء في لبنان أمر مستحيل". وهنا بالتمام تكمن أهمية هذا الحراك، وفق صاغية الذي يرى أنّه ثبتت من خلال الحراك إمكانية جمع اللبنانيين في موقف واحد ضد الطبقة السياسية الحاكمة، ضد نظام المحاصصة والفساد في مختلف أطيافه وطوائفه. يؤكّد صاغية إذاً، مرة ثانية، أهمية الاثبات ولو لم يتحقق، لما يبعث ذلك من أمل في نفوس اللبنانيين.

سباق بين الحراك والسلطة
يعيد صاغية بعضاً من إخفاق الحراك إلى الظروف الصعبة التي أحاطت به. "حراك كهذا يحتاج إلى كل عوامل النجاح، في حين أنّ عوامل الفشل كانت كثيرة وبعضها جاء من داخله". يقرّ صاغية بوجود خلل ما في تركيبة الحراك، أدّى إلى فشله من الداخل. يضيف: "لا أحد يمكنه القول إنه هو من نزّل الناس إلى الشارع، لأن حالة اجتماعية معينة هي التي دفعت الناس نحو الشارع".

يعتبر صاغية أنّه كان المطلوب من المحرّكين أن يرتفعوا إلى مستوى الحراك، وأن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية. فالناس بنزولهم إلى الشارع وانضمامهم إلى الحراك، أعطوا تفويضاً للناشطين والمحرّكين، غير أنّهم لم يعرفوا كيف ينقلوا التفويض هذا إلى تمثيل جدي. "وفي الآخر، صار الناس يدعمون الحراك، لكنهم لا ينزلون إلى الشارع".

فاللبنانيون، بحكم تراكم الخسارات التي عانوا منها على مرّ سنوات طويلة، أصبح جذبهم إلى الشارع صعباً. أمّا الأصعب، فهو إبقاؤهم في الشارع إلى أن تتحقق المطالب. ويشير صاغية إلى أنّ البلد ليس في حالة من الاستقرار، أو في جو من الحرية والرغبة بالإصلاح، ثم أنّ المنطقة برمتّها يلفّها السواد وتشهد أزمة قاسية.

وعند سؤاله إذا ما كان من شأن هذه العوامل السلبيّة أن تدفع باللبنانيين إلى التغيير أكثر فأكثر، يجيب صاغية: "بدلاً من أن تدفع هذه العوامل وهذه الظروف المواطن اللبناني إلى الشارع من أجل أن يحدث تغييراً ما في واقعه، تزرع في نفسه خوفاً ورعباً من أن تتكرر في لبنان السيناريوهات التي تشهدها المنطقة حالياً". يضيف: "المواطن اللبناني يعرف النظام، لكنه لا يعرف الحراك الذي يأخذه ربما إلى المجهول".

من هنا، كانت الحاجة، في رأي صاغية، إلى خطاب مقنع وموحد، يجمع اللبنانيين من مختلف الأطياف حول فكرة واضحة وسياسة أوضح لتحقيقها. لكن "المنظمون فشلوا، إذ كانوا في سباق مع السلطة التي كانت أسرع منهم، وأسرع من أن ينتجوا خطاباً مقنعاً، خصوصاً أن الطابع التنافسي بين المجموعات غلب الطابع التعاوني. ما أدى إلى إشكالات داخلية في قلب الحراك".

المواطن vs الزعيم
يعتبر صاغية أنّ الحراك لم ينطفئ لكنه أخذ أشكالاً متفرعة ومختلفة، كالانتخابات البلدية مثلاً مع "بيروت مدينتي" التي بين نشأتها ونشأة الحراك علاقة وطيدة، "ومواطنون ومواطنات في دولة" أو في زغرتا وبعلبك. ويعتقد صاغية أنّ الحراك لن يعود ليأخذ شكله الأوليّ، كما ولن نرى في المستقبل القريب عشرة آلاف اللبنانيين في الشارع. لكن الأثر الذي خلّفه الحراك ظهر من خلال الانتخابات الماضية، ومن خلال موضوع سلامة الغذاء وغيرهما. فـ"الحراك أشعر الناس بإمكانية التغيير، وإن أخذ اتجاهات متنوّعة".

"الصراع في الأصل هو بين الزعيم من جهة والمواطن من جهة أخرى"، يقول صاغية، الذي يعتبر أنّ أي عمل أو نضال أو قضيّة تعيد إلى المواطن حقّه المسلوب بمثابة ضربة للنظام القائم حاليّاً. "وهذا ما سعينا ونسعى دائماً لتحقيقه من خلال عمل المفكّرة القانونية".