بريح المهجرة والمقيمة تنتخب.. للمرة الأولى منذ الحرب

محمد أشرف نذر
الأحد   2016/05/15
تجاوزت نسبة الاقتراع في الانتخابات التي تجرى للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية الـ50% (عزيز طاهر)
رغم وعورة طرقها الضيقة وانتشار ورش بناء "العائدين" فيها، اختبرت بلدة بريح الشوفية انتخابياً، الأحد، المصالحة الدرزية- المسيحية التي تمّت بين أهلها المقيمين والمهجرين منذ نحو سنتين، بعودة المسيحيين إليها. وكانت الحركة الكثيفة داخل البلدة مفارقة، مقابل هدوء البلدات المجاروة لها، التي فازت أغلبية بلدياتها بالتزكية. وأجواء الحركة الانتخابية كانت طبيعية وايجابية جداً، على عكس ما أشيع، قبل أيام، عن أحداث "ستعكّر هذا اليوم الذي يمارس فيه الجميع حقّهم بديمقراطية"، بحسب رئيس لائحة "لأجل بريح" عصام شلهوب.

الفرح في بريح كان مضاعفاً، بسبب مجيء بعض أهلها للمرّة الأولى إلى البلدة منذ تهجرهم منها، وإن كانت مشاركتهم في اختيار ممثلين عنهم في بلدتهم، التي لا يعيشون فيها، يبقى مسألة ملتبسة. لكنهم، في تفسيرهم مشاركتهم، يقولون إنهم عبرها يثبتون المصالحة التي بدأت منذ سنتين ولم تنته حتّى الآن. وهذه حال أميرة أبي عاد خليل، والدة أحد المرشحين في لائحة "بريح العيش المشترك"، التي لم تعد رغم المصالحة إلى بريح. لكنها تقول: "نحن أبناء هذه الضيعة. نحن مسجلون هنا وسندفن هنا بعد موتنا. بريح تهمّنا كثيراً ونحن نحبّها وسنعود إليها في القريب العاجل، بعد أن ينتهي تجهيز بيوتنا".

في المقابل، يعتبر رمزي علامة، وهو من سكان البلدة الدروز، "هذا اليوم انتصاراً كبيراً لبريح، بسبب مشاركة أبنائها كافة في انتخاباتها. فكما عاد أهلها إليها، ستعود بلديتها إلى البلدة أيضاً بعدما كانت في السنوات السابقة في يد القائمقام".

والبلدة التي تنتخب مجلساً بلدياً للمرة الأولى، منذ الحرب الأهلية، حققت نسبة مشاركة مرتفعة، إذ بلغت نحو 50 في المئة حتى فترة ما بعد الظهر، وفق تصريح رؤساء الأقلام لـ"المدن". وإذا كانت الغلبة في الفترة الصباحية للمسيحيين، فإن الناخبين الدروز، وهم سكان البلدة الفعليين، تصدروا المشهد الانتخابي في فترة الظهيرة.

لكن إجراء هذه الانتخابات، كما حصلت الأحد، لم يكن سهلاً. وفي الأساس، كان يفترض، وفق قرار وزارة الداخلية، أن يقترع الناخبون المسيحيون في مبنى بلدية بعبدا، فيما يقترع الناخبون الدروز في البلدة. لكن الوزارة، في 21 نيسان الماضي، عدلت قراراها لتتيح للناخبين المسيحيين الاقتراع في بلدتهم. والقراران ليسا بلا دلالة في ترميزهما لخفة المصالحة المعلنة.

وفي بريح لا أحد يخفي أفكاره، على ما يبدو. فالمدافعون عن الاقتراع في بعبدا، كما أحد مندوبي لائحة "لأجل بريح"، يقول إنه "من حق الأطراف التي لا تريد العودة إلى البلدة من طريق رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان أن تنتخب في مركز محايد يؤمن لها الأمان النفسي". ويبدو أن مساعي سليمان نفسه، الذي كان راعياً في عهده هذه المصالحة، لانتاج مجلس بلدي بالتزكية، يحفظ المناصفة بين الطائفتين، مع النائبين وليد جنبلاط ونعمة طعمة، هي أحد أسباب فشل التوافق، على ما يشير بعض العائدين "بسبب الحسابات السياسية".

على الأرض، بدت المنافسة شديدة بين مندوبي اللائحتين، خصوصاً عند اقتراب وفود من مركز الاقتراع الوحيد في البلدة. في المقابل، طغى الجو الهادئ مع التمنيات بالتوفيق بين المرشحين الموجودين في معظمهم داخل حرم المدرسة. وهذا السلام الانتخابي، لم يعطله غير موقع المدرسة الجغرافي، ووجودها على رأس تلّة تبعد نحو مئة متر صعوداً عن الطريق العام، لكن الجيش أقفل الطريق المؤدية إليها أمام السيارات لـ"أسباب أمنية"، ما منع بعض كبار السنّ من الوصول إلى مركز الاقتراع للتصويت. لكنّ الحاح المندوبين على القوى الأمنية لحلّ هذه المشكلة، تداركه الضابط المسؤول بتخصيص سيارة واحدة لنقل المسنين. كما شهدت السجلات الرسمية بعض الأخطاء في أسماء العائلات، ما استدعى تصحيحها على الفور بعد الاتصال بالمراجع المختصة كي لا تحرم عائلات بأكملها من التصويت.


ولئن كانت اللائحتان المتنافستان قد التزمتا المناصفة في توزيعهما المقاعد البلدية الـ12، فإن القلق عندهما يبقى مرتبطاً بتوقع حصول عملية تشطيب "تؤدي إلى نتائج سلبية يجب معالجتها على الفور في حال حصلت"، على ما يقول الطرفان. وهو قلق، إذا ما قيس بالمصالحة وأوهامها الصعبة، يبقى اصلاحه هيناً.