صيدا: حملة انتخابية على حساب البلدية

هدى حبيش
الثلاثاء   2016/05/10
أعلن السعودي نيته تحويل مبنى البلدية الحالي إلى مرأب للسيارات متعدد الطوابق (علي علوش)
لطالما لجأ رئيس بلدية صيدا محمد السعودي ومجلسه إلى شعارات فضفاضة لا تتسق مع تعاطيهما مع شؤون المدينة. ويبدو أن إزالة مكب النفايات، وهو المشكلة البيئية الأخطر في صيدا، شجّعت المجلس على تبنّي الشعارات البيئية والتنموية دون غيرها. وقد يكون المجلس حاول السير في هذا الاتجاه فعلاً، لكنه لم يخطُ خطوة مكتملة إليه بعد.

رغم ذلك، يستمر المجلس برفع شعاراته نفسها في حملته الانتخابية الثانية، بعدما ترشّح السعودي وغالبية أعضاء مجلسه إلى الانتخابات المقبلة. لكن المجلس، إذا فاز في الانتخابات، يكون قد استهل دورته الثانية بمخالفة القانون والتعدي على أموال البلدية من خلال تمويل كتيب أصدره قبل أيام، عنونه بـ"صيدا مدينة صديقة للبيئة" من صندوق البلدية، بينما الحملة الانتخابية قانوناً تُمول من حساب المرشّح الخاص. وهذا ما أوردته "الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات- لادي" في تقرير حديث لها.

بعيداً من ذلك، يقطع السعودي، في زياراته العائلات الصيداوية الكبرى، وعوداً بتنفيذ مزيد من المشاريع التنموية في المدينة، ستكون في الغالب محكومة برؤية خاصة يملكها السعودي ومجلسه عن المدينة. فالسعودي (77 سنة) عمل خلال 40 سنة تقريباً في الهندسة المدنية في شركة "اتحاد المقاولين"، وهو رجل مال وأعمال أيضاً، ما يجعله أقرب إلى مهندس تقليدي. ويرافقه في العمل البلدي مجلس مؤلف في معظمه من مهندسين و/أو رجال أعمال أيضاً.

هكذا، فما أنجزه السعودي ومجلسه في صيدا طوال السنوات الست الماضية، خصوصاً تلك التي توصف بأنها المشاريع "التنموية والبيئية"، كانت في معظمها تنفذ بعكس تسميتها. فمشروع إزالة مكب النفايات مثلاً لم يخل من انتهاكات بيئية وحقوقية. ومشروع الشاطئ الصيداوي حصر ارتياد الشاطئ بمساحة محدودة وخطرة، بسبب التيارات المائية، ما أدى إلى حالات غرق متعددة خلال الصيف الماضي.

وفي غياب "الانجازات الكبرى"، يجرب المجلس اليوم استعراض ما أنجزه من مشاريع، باعتبارها انجازات، من خلال هذا الكتيب ليجدد ثقة الناخبين به. لكن بدائية أساليب الترويج المعتمدة لا تسعفه. فهو يعتمد التكرار مثلاً من خلال الحديث عن المشروع نفسه بصيغ مختلفة، خصوصاً مشروع إزالة المكب. بالإضافة إلى وصفه مشاريعه بعبارات شعرية مثل "الحل والفرصة"، "نتائج مذهلة"، "حلة جديدة" و"الحلم أصبح حقيقة وجبل أصبح حديقة". في حين أن هذه المشاريع لا تخلو من الثغرات.

وفي الكتيب نفسه، يعتبر المجلس الحلول التقليدية إنجازات يُفتخر بها، كتغطية نهر القملة بالإسمنت مثلاً، واصفاً ذلك بـ"رفع الضرر البيئي ومكافحة الأوبئة"، عوضاً عن التعاون مع البلديات المجاورة لفصل المجاري فيها عن مياه النهر. بالإضافة إلى تباهيه بـ"إنجازات" لم يستفد أهالي المدينة منها حتى اليوم، مثل حديقة "الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" الممولة من دولة الامارات، التي تأبى البلدية افتتاحها إلا بوجود ممولها.

في ولايته الثانية، في حال فوز لائحة السعودي مجدداً، لا يمكن توقع انجاز أي مشاريع بيئية وتنموية، بعيداً مما أنتجه في ولايته الأولى، خصوصاً إذا استمر مع المجلس عينه. فإذا سلمنا جدلاً أن الظروف السياسية في المدينة تفرض السعودي رئيساً للبلدية، أي إرادة آل الحريري تحديداً، فإن الانتخابات الجديدة، كان يمكن أن تكون فرصة لتحسين هذا الواقع من خلال دخول أعضاء جدد يقدمون الإستشارة العلمية والحديثة للسعودي في مشاريعه.

لكن الأيام الترويجية الماضية، تبين بقاء السعودي على نهجه ورؤيته للمدينة، طالما أن أحداً لا ينصحه بالتغيير، ولا يطلبه منه. وهو كان قد أعلن، في إحدى جولاته الانتخابية الأسبوع الماضي، نيته تحويل مبنى البلدية الحالي إلى مرأب للسيارات متعدد الطوابق، لـ"يدر دخلاً مالياً للبلدية"، في حال فوزه. هكذا، يناقض السعودي نفسه مرة جديدة من خلال طرح مشروع ينتهك مبدأ التنمية والإستدامة والبيئة من خلال تشجيع استقلال السيارات بدل تشجيع النقل العام في المدينة، متجاهلاً مركزية ساحة النجمة داخلها، والتي تضم أساساً موقفاً للباصات. وتشمل وعوده إنشاء خزان كبير لتزويد سكان صيدا القديمة بالمياه، وهو حل لا يمت للاستدامة بصلة.

على حاله، في سنواته الست الماضية، يقرر السعودي ويخطط المشاريع العامة من دون الرجوع إلى المواطنين ولا حتى الإعلان عنها في مراحل دراستها والتخطيط لها. والسعودي الذي يصف نفسه بأنه "ناصري"، لا تخلو نظرته إلى المدينة وسكانها من نزعة طبقية وفوقية. فهو في حديثه عن المساحات العامة، كما الحديقة التي سُميت باسمه في جبل النفايات، يرى الناس مخربين وملوثين لها، ولا يرى فيهم أصحاب حق. وهو في سلسلة جولاته الانتخابية، يتحرك بين العائلات الصيداوية الكبرى وأصحاب المال والأعمال فيها لـ"التشاور"، لثقل أصوات ناخبيها أساساً، فيما تبدو زيارته مرفأ الصيادين طقساً صيداوياً، من "ناصري" وصل إلى السلطة.