شاطئ عدلون.. كأن وزارة الأشغال أقوى الوزارات

هيفا البنا
الخميس   2016/02/11
حالتا دالية الروشة وشاطئ عدلون متشابهتان من نواح عديدة (محمود الطويل)
"إن أردت أن تعرف ماذا في عدلون، فعليك أن تعرف ماذا في الدالية". بهذه العبارة دعت "الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة" إلى اعتصام أمام المديرية العامة للنقل البحري والبري في وزارة الأشغال العامة، الخميس، للضغط على مدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي لوقف مشروع إنشاء مرفأ في بلدة عدلون الجنوبية.


وأشار البيان الصادر عن "الحملة الأهلية" إلى أنه "خلافاً للقوانين اللبنانية التي توجب الاستحصال على موافقة وزارتي الثقافة والبيئة في المشاريع التي تطال ثروات لبنان الطبيعية، تجري منذ ثلاثة أسابيع أعمال جرف وردم على موقع شاطىء عدلون الأثري، حيث يجري العمل على إنشاء مرفأ لليخوت والمراكب".

وبعد أن كان كل من وزارتي البيئة والثقافة قد وجهتا منذ عشرة أشهر كتاباً إلى وزارة الأشغال العامة والنقل، لإيقاف الأعمال في المرفأ حتى إجراء تقييم للأثر البيئي للمشروع المُقترح ووقف عمليات جرف وتدمير الشاطئ، إلا أن رد وزارة الأشغال جاء بتسريع وتيرة الأعمال على الشاطئ، حيث وصلت أعمال الردم إلى عشرات الأمتار داخل البحر، إضافة إلى فتح طريق على امتداد الشاطىء وجرف المصطبات الصخرية والأحواض الأثرية.

ووصف المعتصمون الوضع بأنه "أشبه بإعادة مأساوية لتصرف هذه الوزارة عندما رفضت إزالة الردميات وبلوكات الباطون عن دالية الروشة بالرغم من كتاب صادر عن وزارة البيئة بهذا الخصوص، كأن هذه الوزارة ملك خاص لوزيرها الحالي أو كأنها أقوى من الوزارات الأخرى وتتحدى القوانين وتتحوّل إلى منفذ لأهداف مستثمرين يعتدون على الشاطئ بدلاً من أن تكون حريصة على المُلك العام الذي أوكلت إليها مَهمة الحفاظ عليه وحمايته".

ويشرح الناشط في جمعية "الجنوبيون الخضر" محمد بزيع أنهم حاولوا "من خلال هذا الإعتصام لقاء القيسي، لكن الأخير كان خارج مكتبه لإرتباطه باجتماعات، فقمنا بتسليم بيان حملتي الدالية والجنوبيون الخضر إلى أحد موظفي المديرية"، مضيفاً أن "الموظف شرح لي أن هناك عملية تجاوز للمديرية، فالمشروع والمناقصة لم يمرا على المديرية للموافقة عليهما".

الناشطون الذين أكدوا أهمية الحفاظ على شاطئ عدلون، أشاروا الى أن "الضغوط السياسية في المنطقة حالت دون رفع صوت جميع المواطنين في منطقة الجنوب". ويتابع بزيع أن "جميع المواطنين معنيون بحماية شاطئ عدلون لأهميته البيئية والتاريخية والتراثية، إذ إن هناك دراستين الأولى صدرت عن وزارة البيئة في العام 2002 والثانية صادرة عن جامعة البلمند في العام 2012 بإشراف وزارة السياحة، تؤكدان أن موقع عدلون هو واحد من 15 شاطئ لبناني يجب التحرك بشأنها بصورة طارئة لحمايتها".

وعلى الرغم من تضارب المعلومات حول معرفة مديرية النقل البري والبحري بمشروع مرفأ عدلون، فإن بزيع قال إن "المديرية وبحسب ما نقل لي الموظف، وُضعت تحت الأمر الواقع، فالمشروع لم يمر بالمراحل التي يجب أن يسلكها في الحالات الطبيعية قبل أن تتم الموافقة عليه، بل باشرت وزارة الأشغال بالعمل فوراً من دون العودة إلى المديرية"، مؤكداً على "أهمية إستمرار الضغط على كل من له يد في هذا المشروع الكارثي، والمطالبة بوضع خطة إنمائية للموقع تتناسب مع خصوصيته الأثرية والبيئية وإيقاف العمل فوراً في هذا المشروع".

في المقابل، شرح الناشط في "الحملة الأهلية" غسان حلواني الترابط بين حالتي موقع دالية الروشة وموقع شاطئ عدلون قائلاً إن "الوضعين العقاري والإستثماري في الموقعين متشابهان، فأصحاب النفوذ الذين يتملكون الأراضي يلجأون إلى التنظيم المدني لتغيير تصنيفات الأراضي، فمنطقة الدالية كانت ضمن المنطقة العاشرة التي لا يُسمح بالبناء فيها، والأراضي في موقع عدلون حُوِّلت من زراعية إلى سياحية بمرسوم إستثنائي يخدم أصحاب النفوذ، وبالتالي رُفعت نسبة البناء على العقارات الساحلية من 2% إلى 20%"، مشيراً إلى أن "هدف المشروع واضح وهو رفع القيمة العقارية لهذه الأراضي المملوكة من سياسيين معروفين".

وفي سؤال عن سبب عدم مشاركة أبناء بلدة عدلون في الإعتصام، أشار أحدهم، مع التحفظ عن ذكر إسمه لأسباب خاصة، في إتصال مع "المدن" إلى أن "عدلون تعد بلدة محرومة من التنمية، كما أن الناس يتمسكون بأي مشروع، خصوصاً مع وجود وعود بتأمين وظائف لأكثر من 400 عائلة، فكانت عدم مشاركة الناس في الإعتصامات لسببين، أولاً عدم معرفتهم التامة بالمواقع الأثرية في المنطقة، وثانياً بسبب الأجواء المشحونة بين المعارضين للمشروع والمؤيدين له، وتحويل المسألة إلى مسألة شخصية وحصول تهديدات مباشرة".

وكانت "المدن" قد حاولت التواصل مع القيسي، إلا أنه كان، في كل مرة، يعد بالإجابة عن الأسئلة المطروحة في وقت لاحق. وهو كان قد أكد لـ"المدن"، في 18 كانون الثاني 2016، "وقوع هذا الموضوع ضمن مسؤولياتي، إلا أنني لم أتلقَ أي رسالة من وزارة الثقافة"، مشيراً إلى إحتمال وصولها إلى مكتب الوزير نفسه، من دون أن تُحوّل إليه.