حتي: لا رب عمل واحد بلبنان بل مصالح متناقضة
"لبنان يتحول إلى دولة فاشلة". بهذه الجملة اختار وزير الخارجية، ناصيف حتّي، الخروج من المركب اللبناني الغارق، والذي تغرقه حكومة شارك فيها. لكنه كان أكثر المطوقين والمهمّشين. واختصر حتّي المشهد أكثر، مكملاً صورة يعاني منها كثيرون في عهد ميشال عون. إذ يقول: "شاركت من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت أرباب عمل ومصالح متناقضة". وبذلك، يشير حتّي إلى عمق الأزمة والمشكلة. آراء متناقضة، وأهواء متضاربة هي التي تتحكم بكل العمل الحكومي، وبعلاقات الحكومة داخلياً وخارجياً. لعلّ أكثر العبارات التي سمعها حتّي في ممارسته لمهامه، أن أي مرسوم لن يوقعه رئيس الجمهورية، ما لم يكن موافقاً عليه من قبل جبران باسيل. حتى انفجر ذات مرة قائلاً: "جبران بيهدد بتوقيع عمّو".
طيف باسيل.. والبدلاء
منذ أيام، وتحديداً بعد الأزمة بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، حسم ناصيف حتّي أمره، وهو الذي كانت قد تراكمت عنده أسباب عديدة دفعته إلى التفكير بالإستقالة مراراً، كمثل يوم أجبر على استدعاء السفيرة الأميركية. وعاد وصحح الموقف بعدم تحويل اللقاء إلى استدعاء، فبدلاً من مساءلتها، عمِلَ على توضيح الموقف. وإلى جانب هذه الخلافات أيضاً، كان الخلاف المستمر مع جبران باسيل، منذ دخوله إلى وزارة الخارجية، فلم يتمكن حتي من تعيين فريقه الاستشاري. وبقي نفوذ باسيل العميق هو المتحكم بمسار الوزارة وقراراتها.
عندما فاتح حتّي بعض الوزراء والمسؤولين باستقالته، لم يتم السعي إلى ثنيه عنها، على الرغم من سماعه الكثير من الكلام حول ضرورة عدم الإقدام على هذه الخطوة. لكن في الحقيقة كان هذا الكلام مجرد محاولة للاستثمار بالوقت، نظراً لترتيب البديل وإجراء كل الحسابات حول ما إذا كان هناك وزراء آخرون سيتقدمون باستقالتهم، وتعيين البدلاء عنهم.
وتكشف المعلومات أنه تم التحضير لأسماء كثيرة يفترض أن تحل بديلاً، بحال حصلت أي استقالة جديدة.
صباح الإثنين توجه ناصيف حتي إلى السراي الحكومي، حاملاً كتاب استقالته، قدّمه لرئيس الحكومة، وعاد إلى الوزراة لتلاوة بيان الاستقالة وأسبابها، في هذا الوقت كان جبران باسيل يعمل على تأمين الوزير البديل، وتحدثت المعلومات عن احتمال تعيين السفير السابق شربل وهبي، والذي كان مديراً عاماً للشؤون السياسية في وزارة الخارجية، ومحسوباً على رئيس الجمهورية ميشال عون.
النص الحرفي لبيان الاستقالة
"بداية أودّ أن أعبّر عن امتناني لكل من أبدى ثقة بشخصي لتولي وزارة الخارجية والمغتربين، لم يكن قراري بتحمل هذه المسؤولية الكبيرة شأناً عادياً في خضم انتفاضة شعبية قامت ضد الفساد والاستغلال، ومن أجل بناء دولة العدالة الاجتماعية، فيما يشهد لبنان أزمات متعددة الأشكال والأسباب سواء في الداخل أو في الإقليم.
ما أصعب الاختيار بين الإقدام والعزوف عن خدمة الوطن حتى ولو تلاشت احتمالية تحقيق اليسير في نظام غني بالتحديات المصيرية وفقير بالإرادات السديدة.
حملت آمالاً كبيرة بالتغيير والإصلاح، ولكن الواقع أجهض جنين الأمل في صنع بدايات واعدة من رحم النهايات الصادمة. لا لم ولن أساوم على مبادئي وقناعاتي وضميري من أجل أي مركز أو سلطة.
إن المطلوب في عملية بناء الدولة عقولاً خلاقة ورؤيا واضحة ونوايا صادقة وثقافة مؤسسات وسيادة دولة القانون والمساءلة والشفافية.
إن الأسباب التي دعتني إلى الاستقالة هي ما تقدمت بشرحها، على أنّه تم تناقل بعض التأويلات والتحليلات، وكذلك بعض التفسيرات التبسيطية السطحية عبر بعض وسائل الإعلام التي لا تلزم سوى أصحابها، وكلّها أمور لم أتوقف عندها طيلة حياتي المهنية، إذ يبقى الأساس كوزير للخارجية الحفاظ على مصالح البلد وتعزيز وتحصين علاقاته الخارجية وتحسيس المجتمع الدولي كذلك العربي، بأهمية تدعيم الاستقرارفي لبنان.
لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب لاسمح الله سيغرق بالجميع".