المجلس الدستوري يصدّ المحامين ويرفض كشف ثروات أهل السلطة

وليد حسين
الخميس   2019/11/21
أسرار ثروات الرؤساء والوزراء والنواب يحميها القانون مثل السر التجاري والمهني! (المدن)
لم ينتظر رئيس المجلس الدستوري، القاضي طنوس مشلب، لقاء مجموعة المحامين الذين تقدموا بطلب الحصول على نسخ عن تصاريح رؤساء الجمهورية والوزراء والنواب الحاليين والسابقين إلى المجلس الدستوري، تنفيذا لقانون الإثراء غير المشروع.. فأصدر قراراً برد طلبهم.

الغلاف السري
وهذا ما جعل لقاء المحامين معه، هم الذين كانوا يتوقعون أن يناقش مشلب معهم طلبهم قبل اتخاذ أي قرار، غير ذي جدوى. فقد تفاجأ المحامون خلال اللقاء أن مشلب رد طلبهم بكتاب خطي، موعزاً سبب عدم جواز حصولهم عن النسخ إلى أن التصاريح التي يقدمها الرؤساء والوزراء والنواب والمسؤولين الكبارن تقدم بغلاف سري ومغلق، وتودع في مصرف لبنان. وهي غير مشمولة بقانون حق الوصول إلى المعلومات.

قرار رد الطلب


  


وفي التفاصيل، تقدمت مجموعة من المحامين (18 محامياً) بكتاب خطي إلى المجلس الدستوري، للحصول على النسخ عن تصاريح، عملاً بقانون الاثراء غير المشروع، الذي ينص على أن كل الموظفين يجب أن يقدموا تصاريح بكل ممتلكاتهم وممتلكات زوجاتهم أو أزواجهم في لبنان وفي الخارج. أما رؤساء الجمهورية والحكومة والنواب فعلى عكس بقية الموظفين العموميين، عليهم تقديم التصاريح من دون انتظار أي جهة تطلبها منهم، وبمجرد تسلم الوظيفة عليهم التصريح خلال ثلاثة أشهر، أو يعتبروا بمثابة مستقيلين من وظائفهم.

تماشياً مع لغو السياسيين عن مكافحة الفساد، وفي ظل المطالب الشعبية باسترداد الأموال المنهوبة، تقدم هؤلاء المحامون بالطلب إلى المجلس الدستوري ليلجأوا إلى القضاء. وتسلحوا بأن قانون الإثراء غير المشروع ينص على أن التصاريح سرية، ويعاقب من يفشي بها بالسجن، لكنها ترفع في حال طلبها القضاء. واستندوا إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات، الذي ينص على حق المواطن بالوصول إلى كل المستندات في الدولة، رغم وجود بعض الاستثناءات، التي لا تنطبق على تصاريح الرؤساء والنواب والموظفين عن ممتلكاتهم، كما قالت المحامية ديالا شحادة لـ"المدن".

سر تجاري؟!
ووفق شحادة، التي كانت حاضرة في اللقاء مع مشلب، حصر قانون حق الوصول إلى المعلومات الأسرار التي لا تبيح للعامة الإطلاع عليها، بالأسرار التي تؤثر على الأمن القومي أو القوى العسكرية، أو تلك التي تضر بالاقتصاد، أو الملفات التي تتعلق بالأمور الصحية والشخصية، أو الأسرار التي يحميها القانون مثل السر التجاري والمهني. أي بالمعنى القانوني حماية الأسرار التي تعرّض مصلحة مشروعة للخطر.

انطلاقاً من هذا التفسير للقانون اعتبر المحامون أن السرية على تصاريح الموظفين غير موجودة، لأنه ليس هناك من مصلحة مشروعة يلحقها الضرر في حال باتت مباحة للعامة، بل على العكس هناك مصلحة عامة ستتحقق. لكن المجلس الدستوري وبعد تأكيده أن جميع الرؤساء والوزراء والنواب صرحوا عن ممتلكاتهم، رفض منح المحامين نسخ عن التصاريح معتبرا أنها سرية وأنه حتى المجلس نفسه لا يحق له الاطلاع عليها. واعتبر في رده أن قانون حق الوصول إلي المعلومات لا يشملها، مبرراً أنها تقع ضمن سر الحق التجاري والمهني.

الأسئلة الثلاثة
وكشفت شحادة فحوى اللقاء مؤكدة أنها توجهت لمشلب بثلاثة أسئلة. فرداً على سؤال إذا كانت السرية على التصاريح، تنفيذاً لقانون الإثراء غير المشروع، لمصلحة الشعب أم ضده، أجاب مشلب أنها ضد مصلحة الشعب. ورداً على سؤال عن إمكانية المجلس كجهة قضائية الذهاب بالاجتهاد أكثر لتفسير قانون حق الوصول إلى المعلومات تنفيذاً لرفع السرية، أجاب بالنفي. ورداً على سؤال عن الحق المشروع الذي يلحق به ضرر في حال رفعت السرية، أجاب بعد صمت مطول: ربما لا يرغب الشخص بكشف معلومات عن ممتلكاته. وبعد إصرار من شحادة على أن السرية غير ملازمة للوظيفة العامة والتي تسقط صفة الخصوصية عن الموظف العام، أجاب مشلب: "بلكي الشخص ما بدو مرتو تعرف قديش معو مصاري، تا ما تقشطو ياهن". لكن شحادة أصرّت بأن هذا الأمر لا يقع ضمن قاعدة ضرر غير مشروع، لأنه حتى من حق زوجة الموظف معرفة كم يملك من المال. وهذا حق مشروع لها وليس فيه ضرر غير محق عليه. لذا القانون ينطبق على التصاريح كون هناك مصالح مشروعة تمس.

ورداً على سؤال ما هي المصلحة المشروعة التي تُمس عندما يعلم الرأي العام كم يملك رئيس الجمهورية، أكّدت شحادة أن مشلب لم يعرف بماذا يجيب. وأمام محاججة المحامين أنهم كانوا يتوقّعون من القضاء أن يقول لجميع الناس من هو الفاسد، انطلاقاً من اجتهادهم في تفسير القانون، برر مشلب أن المجلس الدستوري لم يستطع في اجتهاده اعتبار قانون الحق في الوصول إلى المعلومات يكفي لرفع السرية، لأنه يعتبر أن التصاريح من المستندات المستثناة من القانون، وتقع ضمن الأسرار التي تحميها القوانين كالسر المهني والسر التجاري.