الكل محرج في طرابلس: لماذا فعلت هذا يا سعودية؟

جنى الدهيبي
الخميس   2017/11/09
تختزل عاصمة الشمال مشهد الانقلابات السياسيّة (دالاتي ونهرا)

بعد الاستقالة التي قدّمها رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، السبت في 4 تشرين الثاني، تغيّر المشهد السنّي في لبنان رأساً على عقب. إذ وضعت المملكة العربيّة السعوديّة سنّة لبنان أمام خيارين: إمّا المضي معها وتحت سقفها في "بتر أيادي" حزب الله وإعلان الحرب على المشروع الإيراني. وإمّا اعتبارهم جزءاً من ذلك المشروع. الوقوف على الحياد لم يعد مسموحاً أو متاحاً.

تختزل عاصمة الشمال مشهد الانقلابات السياسيّة. ففي طرابلس، أربعُ كُتلٍ سياسية تتقاسم أبناء المدينة. تيّار المستقبل، تيّار العزم ممثلاً برئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، اللواء أشرف ريفي والجماعة الإسلاميّة. سابقاً، عاشت هذه الكُتل مشاكل وتجاذبات حادّة سعياً إلى جذب أبناء المدينة قبل الانتخابات النيابيّة، وكلٌّ على حساب الآخر.

لكنّ، استقالة الحريري، بمكانها وزمانها ومضمونها، دفعت هذه الكتل، شعبيّاً وسياسيّاً، نحو معطفٍ جديدٍ ليس واضحاً حتّى اللحظة، خصوصاً أن الانتخابات لم تعد معركتها التنافسيّة الوحيدة.

فتيّار المستقبل، الذي دفع ثمن تسويته انحساراً شعبيّاً واتهامه بتقديم تنازلات لحزب الله وحلفائه على حساب أبناء الطائفة، وما تبع ذلك من حديث عن "إحباط سنّي"، أصرّ الحريري على نفيه، وُضع مناصروه في خانة "المدافع" عن خيارات الحريري التشاركيّة والسياديّة والوطنيّة في مشروع بناء الدولة. وفجأةً، وجد هؤلاء المناصرون أنّهم جندوا، بعد خطاب الحريري، في المعركة ضد إيران، ودخلوا حلبة الصراع مع حزب الله مجدداً. فعادوا إلى استخدام مصطلح "محور الممانعة"، شريك تيّارهم في الحكومة و"مشروع" بناء الدولة.

ارتباك أنصار المستقبل، زاد عليه كسب ريفي الرهان. فقبل استقالة الحريري، كان الأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري ينتظر قوافل "المنشقين" عن ريفي لاحتضانهم وتبنيهم من جديد. لكنّ، الاستقالة وضعت حدّاً لتوافد المنشقين. وهذا ليس دليلاً على ترتيب ريفي بيته الداخلي، إنّما على "فوز" خطابه، الذي كان يصفه خصومه بالشعبوي.

وفي حين كان المستقبليون ينظرون إلى ريفي نظرة "الابن الضال"، ويرفضون الاعتراف بوجوده، اكتشفوا أنّ الراعي الإقليمي، أي السعودية، أقرب إلى خيار ريفي الذي بقيَ ثابتاً في التصعيد ضدّ حزب الله ورفض أيّ تسويةٍ معه. نظرة "التفوّق"، يستشعرها الريفيون تجاه المستقبل، خصوصاً أن ريفي بنى خصومته مع الحريري على خروج الأخير عن "الثوابت"، التي عاد إليها الحريري في خطاب استقالته.

الحيرة تنسحب إلى تيّار العزم، الذي لم يتوافق يوماً مع الحريري، ولا يريد مخاصمة السعودية. ذلك أنّ العزميين يتفادون الغوص في لعبة الاصطفافات. وتشير أوساط ميقاتي، لـ"المدن"، إلى أنّ ثمّة قراراً أتخذ بعدم الاصطفاف مع أحد، وأنّه يوجد خيارٌ ثالث، وهو النأي بالنفس، رغم تثمين الموقف السعودي في إعادة توحيد لحمة الطائفة. فـ"الانجرار إلى المواجهة في لبنان لن يغيّر المعادلات الاقليمية".

ولعلّ الجماعة الإسلاميّة هي الأكثر ارتباكاً بعد استقالة الحريري. ورغم دعوات فريقها إلى التهدئة وعدم الانجرار نحو التصعيد، وجد فريقها نفسه بين معادلتين متناقضتين. فهو من جهة، يناهض تفرد حزب الله في القرارات والسلطة ومشاركته في حرب سوريا واليمن، ومن جهة أخرى، يرفض كليّاً الانضواء تحت لواء السعودية، التي وضعت الاخوان المسلمين وحركة حماس على لائحة الارهاب.

هذه الأجواء المتقلبة، لم تلغِ أسئلة الصالونات ومواقع التواصل الاجتماعي. فالكلُّ يُدرك أنّه جرى الزج بهم في محور الحرب على إيران والعداء لها. وأحداً لم يقتنع بعد، رغم تنقلات الحريري (الصوريّة)، أنّ استقالته التي تزامنت مع موجة الاعتقالات في السعوديّة، هي بمحض الصدفة وبملء إرادته. فالسؤال عن حالة الحريري، عمّا إذا كان حرّاً طليقاً أو "أسير" السعودية، لا يزال موضع بحثٍ، رغم أن المستقبليين يرفضون الاعتراف به. وفي غمرة ذلك، هناك صوت مستقل يعتبر أنّ مجرد قول الوزير السعودي ثامر السبهان إنّ الحريري يمكنه مغادرة السعودية ساعة يشاء، "هو إهانة كبرى، ويسيء إلى مكانة رئيس الحكومة، وما يمثله سياسيّاً وطائفياً".