عون إذ يحتفظ بمفاتيح قصر بعبدا

ساطع نور الدين
الأحد   2023/01/29

حتى الآن، لم تخطر في بال أحد تلك الفكرة الجنونية القائلة بأن الرئيس السابق ميشال عون سيدخل التاريخ بإعتباره الرئيس الاخير للجمهورية اللبنانية. أحد الخبثاء يجزم في أن عون لم يغادر الرئاسة إلا لأنه كان يؤمن بهذه الفكرة فعلاً، ويعتقد أن الظروف لن تضطره للبقاء في قصر بعبدا، ولا حتى للعودة إليه لتنظيم حفل تسليم المنصب الى خلفه المنتخب. لذا فإن القصر سيظل فارغاً، وسينبت العشب مجدداً على طرقاته، ويمتد الى داخل قاعاته ومكاتبه، وقد يصبح يوما ما وجهة للسياحة أو مركزاً للزراعة..

 لا جدوى الآن من التمييز بين أن يكون عون هو الرئيس الاخير ، الماروني وغير الماروني أيضا، طالما أنه حمل معه الى مسكنه الخاص في الرابية، مفاتيح بوابات القصر الرئاسي في بعبدا، وما زال يمارس وظيفته كرئيس الظل، الذي لم يستطع الحكم في النور،  وما زال يسعى الى حرف مقاليد الحكم عن وجهتها الطبيعية، سواء عندما يعطل فرص إنتخاب خليفة له من خارج البيت أو التيار، أو عندما يمارس حق النقض على عمل بقية"الحكام غير الميثاقيين" المتربصين بالمنصب وبالصلاحيات السليبة.

ثمة ما يدعو الى الاعتقاد أن عون المقيم في الرابية، هو أقوى من عون الذي كان مقيماً في قصر بعبدا. هذا على الاقل ما يؤمن به، عندما إعتبر خروجه من الرئاسة تحرراً شخصياً، وتطوراً سياسياً في المواجهة مع "المنظومة"إياها.. وعندما أطلق صهره في حملة شرسة على جميع خصومه وعلى معظم حلفائه، وبالاخص على مختلف معارضي توريثه للمنصب الذي لم يورّث يوماً، ولن يورّث أبداً.. لكن عون ما زال يعتقد حتماً أنه حق البيت والتيار بدليل عدد المقاعد النيابية، وحجم الاتهامات السياسية والقانونية الموجهة الى الآخرين جميعاً.

في الجدال حول هذا الحق ما يناقضه، سواء في الصف الماروني او المسيحي. لكن عون يناور في ملعب سياسي مقفل، ذي سقف منخفض. ظنه ان الرئاسة إما ان تكون لعوني أو لا تكون لأحد، هو نوع من الخيال الجامح. المنصب لم يعد له معنى كثير، بأدلة وحجج وتجارب السنوات الست الماضية بالذات. الجمهورية لم تعد ذات قيمة ولا أهمية، بالأدلة والبراهين نفسها التي اختبرها عون أكثر من سواها، على مدى العقود الستة الماضية من حياته السياسية والعسكرية.            

هذه التجربة التي لم تنته، ليست الاسوأ على الاطلاق بالمقارنة مع بقية التجارب التي شهدها البلد ولا يزال، في المعسكرين المسيحي والاسلامي على حد سواء. لعلها الأجدى والأنفع، لأنها كاشفة، بل فاضحة لذلك الانحدار الوطني الذي بلغ حد انحلال الدولة والمجتمع وما بينهما من مؤسسات وإدارات وهيئات. المشكلة الوحيدة مع عون، انه لا يريد التنحي والتقاعد، وهو يظن انه ما زال في الجمهورية وفي الرئاسة ما يستحق الحياة، وما يستدعي الكفاح، حتى الرمق الأخير. وهذا ما لا يشاركه به سوى بضعة مرشحين للرئاسة الاولى.

وهذه التجربة التي لن تنتهي قريباً هي الدليل الاخير على ان لبنان لن يشهد انتخابات رئاسية بعد اليوم، وهي البرهان الاقوى على ان العواصم العربية والغربية المعنية، كانت ولا تزال على حق في رفضها الحاسم التدخل في الشأن الرئاسي اللبناني، وفي دعوتها المتكررة الى اللبنانيين عموماً(والموارنة بشكل خاص) لكي ينضجوا، ويخرجوا من غربتهم عن العالم الذي ما عاد يقيم وزناً لصراعاتهم ولا لرئاستهم ولا لجمهوريتهم..وما عاد يخشى فراغاً في قصر بعبدا، الذي لم يكن في السنوات الست الماضية، في أبهى صوره السياسية، وسيظل في السنوات الست المقبلة، على حقيقته، كعنوان رئيسي للشغور، الذي لا يشعر به أصلاً سوى نفرٍ من اللبنانيين.