هل يجب التضامن مع منى برنس؟

شادي لويس
الأربعاء   2022/09/14
بعد أربعة أعوام من التقاضي، ثبّتت المحكمة الإدارية العليا، الحكم بعزل الدكتورة منى برنس من وظيفتها كأستاذة مساعدة في كلية التربية بجامعة السويس، ليغدو القرار باتاً ونهائياً. وجاء الحكم الأخير تأكيداً لحكم أولي صدر عن محكمة القضاء الإداري، وفي حيثياته دعم لقرار مجلس التأديب الجامعي ضدها، وإقرار بارتكابها مخالفتين مستوجبتين للعزل.

الحكم يثير القلق على أكثر من مستوى، ما يخص الحياة الخاصة وما يخص العمل الأكاديمي. أي أن الإدانة جاءت على ما اقترفته برنس خارج قاعة المحاضرات وداخلها. أولاً، "نشرها فيديوهات لنفسها وهي ترقص وتعرضها بنفسها في صفحتها بوسائل التواصل الاجتماعي". وثانياً، بسبب "نشرها أفكاراً هدامة تخالف العقائد السماوية والنظام العام" في الجامعة. تمس المخالفة الثانية الحريات الأكاديمية، وهي لم تكن السابقة الأولى لبرنس. ففي العام 2013 اتهمتها الجامعة نفسها بازدراء الأديان، إلا أن الأجواء السياسية حينها كانت مختلفة عن اليوم، وعلى ما يبدو كان ذلك أحد مؤطرات حصولها على البراءة.

أما ما يُعدّ سابقة خطيرة، فهو ما يختص بالشق الأول من الحكم، والمتعلق بالرقص. فالمحكمة أقرّت أمرين، بأنه "لا يجوز للأستاذ الجامعي ولو خارج نطاق الوظيفة...أن ينسى أو يتناسى أن هيبة الدولة تحيطه"، وذلك لأن "الكثير من تصرفاته الخاصة قد يؤثر في حسن سير المرفق الجامعي". ورغم أن الربط بين السلوك خارج نطاق الوظيفة، بآداب العمل، هو أمر مستقر، لكن تعميم ذلك ليشمل "التصرفات الخاصة"، فهذا محو للفصل القانوني بين الخاص والعام، وبين الوظيفي والشخصي. الأمر الثاني الذي تقره مسوغات الحكم هو اعتباره الرقص مخالفة تستتبعها سلسلة طويلة من الأضرار، من أول "الحطّ من قدرها كأستاذة جامعية" و"جرح شعور طلابها"، وصولاً إلى المسّ "بكبرياء زميلاتها"، وبالتالي فصلها.

ولا تبدو تلك الحيثيات غير متوقعة في ظل حملة أمنية وقضائية منهجية ضد النساء بالعموم، وكان من بعض حصادها أحكام في قضايا مختلفة تراوحت بين ثلاثة وعشرة أعوام حبس، طاولت فتيات لمجرد ظهورهن في مقاطع مصورة في الإنترنت. لكن الحكم يدفع إلى نوع آخر من الأسئلة. فبرنس، كما هي مقلقة للسلطة، بسبب تعليقاتها عالية الصوت بخصوص الشأن العام، وخوضها غمار السياسة بالإعلان عن نية ترشحها في الانتخابات الرئاسة مرتين بعد الثورة، وكذا تحديها لعدد من المحرّمات الاجتماعية، فهي أيضاً مزعجة للمعارضة، وبالأخص أولئك المفترض بهم التعاطف مع قضيتها.

كما فعل الكثير من مثقفي جيلها، رحّبت برنس بـ30 يونيو. فبما أن القمع السياسي كان وارداً في أي حال، فكل ما كان يمكن إنقاذه هو هامش الحرية الفكرية المتاح وبعض من الحريات الشخصية التي كانت لا تزال ممكنة. لكن، مع الوقت، ثبت أن هجوم سلطة 30 يونيو على الجبهتين هو الأشرس على الإطلاق، وستكون برنس نفسها واحدة من ضحاياه. وتلك الحسابات الخاطئة ليس مما يحسب عليها، فتلك المقامرة ذات التبعات الفادحة يلام عليها الجميع. إلا أن برنس، وفي أكثر من مناسبة، قامت بالهجوم على معارضي النظام المحالين إلى المحاكم والمحبوسين احتياطياً أو من نال منهم أحكاماً، وأحيانا بنبرة لا تخلو من التجنّي.

هل يلزمنا اليوم التضامن مع برنس؟ ألا يفترض التضامن علاقة تبادلية ما بين أطرافه؟ أو اتفاقاً ضمنياً على مجموعة أساسية من المبادئ المشتركة؟ هذا كله صحيح بالطبع، إلا أن التضامن بمعناه السياسي، وفي تجريده اللازم بغرض التعميم، يفقد طابعه الشخصي، ولا يعود استحقاق الفرد من عدمه أساساً للتضامن، بل ما يعد حاسماً هو الاتفاق على الحق نفسه وأولوية الدفاع عنه. لذا، يخرج الكثير من إعلانات التضامن مع برنس، وفي مقدمتها تحفظات على مواقف سابقة لها مع التأكيد على الدفاع عن حقوقها، لا بوصفها حقوقاً تخصها، بل لأنها تخصنا جميعاً.