بايدن الى السعودية: الرئيس يهزم المرشح

محمد العزير
الأحد   2022/07/03

أثار اعلان البيت الأبيض نية الرئيس الأميركي جوزيف بايدن زيارة المملكة العربية السعودية منتصف الشهر الحالي ولقائه القيادات السعودية والخليجية والعربية على هامش القمة الموسعة لمجلس التعاون الخليجي التي تنعقد في الرياض اهتمامًا إعلاميًا واسعًا إنصب بشكل كبير على إجتماعه المرتقب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي اتهمته واشنطن رسميًا بالمسؤولية عن مقتل الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول في تشرين الأول /أكتوبر 2018، في جريمة دفعت بايدن نفسه في المرحلة الأولى من السباق الرئاسي عام 2019، الى وصف المملكة بالدولة المنبوذة والتعهد بالتعامل مع قيادتها على هذا الأساس.

أجمعت ردود الفعل على الربط بين الزيارة واللقاء مع (MBS) وبين رغبة أميركا في دفع المملكة الى ضخ كميات إضافية من النفط في الأسواق للتعويض عن النقص الحاصل بسبب العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بعد غزوها العسكري لأوكرانيا، وعلى الإشارة الى المقايضة "الواقعية" بين مصالح الولايات المتحدة التي يعاني اقتصادها من أعلى نسبة تضخم منذ نصف قرن، في ظل الارتفاع غير المسبوق في أسعار الوقود والسلع الإستهلاكية محليًا وعالميًا وبين مواقف "مبدئية" جاءت في سياق حملة انتخابية انتهت مفاعيلها. 

ليست البراغماتية غريبة على السياسة الأميركية بل هي أصلها وفصلها، ومهما تعددت تسمياتها بين عقلانية وواقعية ومصلحية تبقى النهج الأبرز وخصوصًا في العلاقات الخارجية. عندما "تطرّف" المرشح جوزيف بايدن في مدينة اتلانتا بولاية جورجيا مساء العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وأعلن في مناظرة انتخابية أن السعودية دولة "منبوذة" وانها "ستدفع الثمن" لمقتل خاشقجي وانه لن يبيعها السلاح، كان في أوج سعيه لإقناع جمهور الحزب الديمقراطي بأنه المرشح القادر على هزيمة دونالد ترامب. كان موقفه محرجًا بين الجناح الليبرالي الشبابي في الحزب الداعم لمنافسه السيناتور بيرني ساندرز رافع شعار إعادة النظر بتحالفات أميركا والموازي بين علاقات واشنطن مع تل أبيب والرياض معًا، وبين بقية الحزب التي ترى في العلاقة الحميمة بين السعودية وترامب فرصة مضمونة للتعبئة الحزبية. لم يكن بايدن في وارد مجاراة ساندرز وانتقاد الاحتلال الإسرائيلي فبالغ في المزاودة وصب جام غضبه على السعودية بشكل لفت انظار الكثيرين في حينه.

لكن "حكي القرايا غير حكي السرايا": فور وصوله الى البيت الأبيض بادر بايدن الى التودد الى المملكة وأوفد مبعوثه الخاص بريت ماكغورك ليلتقي (MBS) ويبلغه بالخطوات التي سيقوم بها الرئيس لإرضاء جمهوره حيث سينشر نتائج التحقيق الرسمي بمقتل خاشقجي وستفرض الإدارة عقوبات شكلية على المشاركين في العملية لن تمس المستوى السياسي ولا ايًا من افراد العائلة المالكة، وأكد ماكغورك حرص بايدن على العلاقة التاريخية بين البلدين. وفي ظل الانشغال الداخلي بتبعات رعونة ترامب وادعاءات التزوير الإنتخابي واستمرار كابوس الكوفيد، مرّ نشر التقرير الذي حمل المسؤولية لولي العهد بأقل أثر ممكن، ثم جاء عدوان فلاديمير بوتين على أوكرانيا ليسرّع في التواصل بين واشنطن والرياض ويعيد التركيز على الملفات الحيوية.

تشير التقارير الإعلامية والمقالات التي كتبها أكاديميون ودبلوماسيون وخبراء الى أن محادثات بايدن في السعودية لن تقتصر على طلب زيادة انتاج النفط، بل ستشمل ملف التفاوض الأميركي مع ايران حول برنامجها النووي،وملف الحرب في اليمن والنفوذ الإقليمي الإيراني،  وملف انهاء ترتيبات السيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، وملف القضية الفلسطينية والعلاقات المستقبلية بين الدول العربية وإسرائيل، فضلًا عن العلاقات الثنائية بين البلدين. وأوحت التقارير أن بايدن سيحاول طمأنة مضيفيه الى التزام أميركا بأمن الخليج وحرصها على لجم النفوذ الإيراني في أي اتفاق محتمل مع طهران، وأن عدم الاستقرار الحكومي في تل ابيب سيجعل الطلبات الأميركية المتعلقة بالأجندة الإسرائيلية متواضعة.

لعب الولاء الحزبي دورًا مهمًا في تلطيف ردود الفعل على الزيارة المرتقبة، الديمقراطيون من حزب الرئيس يرغبون في نجاحه في استدرار المزيد من النفط على أمل خفض التضخم عشية الانتخابات التشريعية التي يخشون من خسارة فادحة فيها، والجمهوريون، وبعد الحفاوة السعودية البالغة بترامب طوال عهده، لا مصلحة لهم في استعداء المملكة والتحريض عليها، لذلك تشابهت عناوين ومضامين المقالات وان تفاوتت درجاتها. صحيفة "وول ستريت جورنال" المحافظة دعت قادة المستقبل لدرس تطور العلاقة بين ادارة بايدن وبين السعودية ليكون امثولة عن "الضرر الذي تلحقه النوايا الحسنة عندما تستند الى تحليلات ضعيفة" واعتبرت في مقال افتتاحي آخر أن الزيارة إنتصار للواقعية، فيما قالت "نيويورك تايمز" وموقع "بوليتيكو" أن بايدن محق في زيارته، ورأت مجلة "فورين بوليسي" المتخصصة أن الزيارة فرصة لتمتين العلاقات. حتى صحيفة "واشنطن بوست" أثنت على قرار الزيارة الا انها شددت على ضرورة المطالبة بالمحاسبة على قتل خاشقجي الذي كان يكتب فيها.

اللافت في الكلام الكثير عن الزيارة التي ستشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، أن كل الاهتمام بمقتل خاشقجي والحقوق المدنية والحريات الشخصية في السعودية، لم يقابله أي ذكر لإستشهاد مراسلة "الجزيرة" الصحافية الأميركية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد جنود الاحتلال في مخيم جنين في أيار/ مايو أو ممارسات الاحتلال وجرائمه، وحدها الإعلامية اللبنانية الأصل كيم غطاس كتبت في موقع "اتلانتك" المرموق داعية بايدن الى تذكر اسمين خلال زيارته؛ خاشقجي وأبو عاقلة، وأن يكون صريحًا في المطالبة بكشف قاتليهما ومحاسبتهم.