مجزرة طرابلس والفوضى اللاحقة

مهند الحاج علي
الإثنين   2022/04/25

كيف نُصنّف حدث غرق قارب الموت وعلى متنه فقراء مهاجرون قرب شواطئ طرابلس ضمن السياق العام للأحداث في لبنان؟ الإجابة الأولية هو أن المجزرة تُصنّف كنتيجة للسلوك السياسي والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي بالتالي تقع ضمن سياق يتضمن انفجاري التليل في عكار، ومرفأ بيروت، رغم الفارق في عديد الضحايا والدمار اللاحق بالمدينة. هذا سياق سيتكرر ولا يُلحق ضرراً بالسلطة السياسية بل يرفع مستوى انعدام الأمان والخوف، ويعود بالفائدة على مجموعة حاكمة تملك المال والسلاح والقدرة التنظيمية.

قضى عشرات المواطنين بين غريق ومفقود. ورغم الأسئلة العديدة حيال المسؤولية، هل فعلاً نتوقع تحقيقاً جدياً في الحادث؟ انفجار مرفأ بيروت كان حدثاً مفصلياً لجهة أن عاصمة تعرضت لتدمير أجزاء كاملة منها، دون أي محاسبة فعلية، لا بل حصل تحريف مقصود ووقح لمسار العدالة اختُتم بإعادة ترشيح المتهمين الرئيسيين بالتفجير.

لكن في خلفية هذا التنصل السياسي من المسؤولية عن كل الجرائم الحاصلة، نرى كذلك نمواً للفوضى كما تجلى خلال اليومين الماضيين أكان في الظهور المسلح واطلاق النار في طرابلس أو في بيروت. بغض النظر عن خلفية السلاح، أجاء استخدامه في اطلاق نار للتعبير عن حالة الغضب، أو في خلاف عائلي أو محلي، المهم أننا أمام فوضى أمنية تطل برأسها كلما لزم الأمر، وهي عملياً تمرين على ما سيسود في حال استقالة الحكومة ودخول البلاد في نفق مظلم دون أي أفق.

ذاك أن تحلل الدولة وانعدام الأفق وانهيار الاقتصاد والقطاع المالي كلها عوامل تُنتج مجموعة علاقات جديدة بين المواطنين أنفسهم، وبينهم وبين النخبة السياسية وميليشياتها كذلك. حادث غرق قارب الموت في طرابلس وسقوط هذا العدد من الضحايا لن يكون وحيداً، بل الأرجح أن يتكرر تماماً كما يحصل قرب شواطئ تونس. وحادث التليل قد يتكرر في ظل التخزين العشوائي وغير المضبوط للمحروقات. والتفلت الأمني يزداد، ولو ببطء، لكنه في نهاية المطاف سيصب في مصلحة القوى السياسية الميليشوية كونها قادرة على توفير الحماية. 

وهذا سيخلق ادارة هجينة للأمن وما تبقى من اقتصاد محلي. بيد أن العسكر والأمن يتعرضان لاستنزاف متواصل في الموارد والعديد والقدرة اللوجستية، وبالتالي من الضروري في الفترة اللاحقة التعاون بشكل متزايد بين الدولة وبين قوى محلية لفرض الأمن. وما المانع في التعاون بين مسؤول عسكري أو أمني وآخر ميليشيوي إذا كانت لديهما مرجعية سياسية واحدة؟ هذا شكل من التعاون كان قائماً بالتنسيق مع بعض الميليشيات اللبنانية، ولكنه سيتوسع ليُصبح قاعدة لا جزئية في المشهد الأمني.

ذاك أن كيان ما بعد الحرب، القائم على توزيع وظائف الدولة على المناصرين، لم يعد قابلاً للحياة بعد الانهيار المالي. وبالتالي يُولد اليوم كائن آخر مكانه، يخلط بين النظام الحالي المهترئ والمتداعي وبين ما كان قائماً في الحرب الأهلية من ميليشيات محلية. السلطة السياسية قادرة على ترك مؤسسات الدولة تنهار، لكن عليها توفير مداخيل أخرى لمكوناتها الميليشيوية. 

هذا واقع يطل برأسه علينا. كان بالإمكان تجنبه عبر مقاربة مختلفة خلال السنتين الماضيتين، لكن من الواضح أن الانزلاق اليه خيار سياسي وليس حادثاً عرضياً.