صفعة أوكرانية لبوتين وعسكرييه

بسام مقداد
الثلاثاء   2022/10/04

بعد يوم واحد من توقيع بوتين يوم الجمعة المنصرم مراسيم ضم المناطق الأوكرانية المحتلة إلى الأراضي الروسية، أعلنت كييف يوم السبت إستعادة مدينة ليمان التابعة لمنطقة شملها الضم. وأكدت وزارة الدفاع الروسية ما أعلنته كييف، وقالت بأنها أمرت بسحب القوات الروسية من المدينة تفادياً لإطباق الحصار عليها من قبل القوات الأوكرانية المهاجمة. ونقل موقع Kasparov الروسي المعارض في 2 الجاري عن المخابرات البريطانية قولها بأن خسارة ليمان كانت نكسة سياسية جدية لبوتين. وقالت وزارة الدفاع البريطانية أن إسترداد المدينة أثار موجة جديدة من الإنتقادات للقيادة العسكرية الروسية، وذلك لأن ليمان تقع في منطقة دانتسك التي شملتها مراسيم الضم. ونقل الموقع الروسي عن تقرير المخابرات البريطانية قوله بأن من المحتمل أن تكون القطعات الروسية التي كانت تدافع عن ليمان ليست كاملة التجهيز، وهي من وحدات الإحتياط التي تم تجنيدها بموجب التعبئة "الجزئية" التي سبق أن أعلنها بوتين قبل أيام. ويضيف التقرير بأن من المحتمل أن تكون القوات الروسية قد تكبدت خسائر كبيرة خلال إنسحابها عبر الطريق الوحيدة المتبقية بيد القوات الروسية. كما يشير إلى أن ليمان على أهمية كبيرة من الناحية العملياتية، وذلك لأنها تشرف على طريق النقل البري إلى نهر سيفرسكي دانتس الذي يمر عبر أكثر من منطقة روسية وأوكرانية على الحدود الفاصلة بين الدولتين. 

صحيفة  NG السياسية الروسية نشرت في 2 من الجاري نصاً بعنوان "إستسلام ليمان يصبح مشكلة سياسية"، وأرفقته بآخر ثانوي "يقترحون الإنتهاء من بياتلون(التزلج على الثلج مع إطلاق النار)  الدبابات في الجيش". قالت الصحيفة بأن إنسحاب العسكريين الروس من ليمان أثار موجة إنتقادات جديدة لوزارة الدفاع والأركان العامة، وليس من قبل الخبراء فقط، بل ومن السياسيين أيضاً. وللمرة الأولى بعد بداية "العملية العسكرية الخاصة" تذكر التعليقات أسماء القادة العسكريين الروس الذين يُزعم بأنهم مسؤولون عن المشاكل التي تبرز على الجبهة. ولم تصدر عن الكرملين حتى الآن أية تعليقات بشأن الإنتقادات، وليس من الواضح ما إن كانت القيادة العليا للبلاد ستصدر قرارات بإجراء مناقلات بين الكادرات.

زعيم الشيشان رمضان قاديروف إتهم قائد المنطقة العسكرية الوسطى الجنرال ألكسندر لابين بالمسؤولية عن إنسحاب القوات الروسية. وتنقل عنه الصحيفة قوله على موقعه في تيليغرام بأن الجنرال وضع على جميع إتجاهات جبهة ليمان وحدات مؤللة من "جمهورية" لوغانسك وسواها، من دون أن يوفر لها الإتصالات الضرورية  وإمدادات الذخيرة. ويقول بأن جنرالاً شيشانياً أطلعه منذ أسبوعين على أن القوات الروسية قد تصبح هدفاً سهلاً، وأطلع هو بدوره قائد الأركان الروسي فاليري غيراسيموف على الأمر، لكن الأخير أكد له بأنه لا يشك في الكفاءة القيادية للجنرال لابين، ولا يرى أن ثمة إحتمالاً للإنسحاب من ليمان وجوارها. ورأى قاديروف أن قادة الجيش يجب أن يعينوا من بين الأشخاص الصلبين، الجسورين والمبدئيين الذين يعرفون أنه لا يجب أن يُترك المرؤوس من دون دعم ومساعدة. وإقترح إتخاذ إجراءات جذرية تصل إلى إعلان الأحكام العرفية في المناطق الحدودية وإستخدام السلاح النووي منخفض الطاقة. 

وتنقل الصحيفة عن المكتب الإعلامي ل"طباخ بوتين" الشهير المشرف على مرتزقة "فاغنر" يفغيني بريغوجين تأييده قاديروف، ومخاطبته قائلاً:"رمضان، أيها الوسيم، ولّعها".

كما تنقل الصحيفة عن قائد عسكري سابق ونائب في البرلمان الروسي عن حزب السلطة ربطه الإنسحاب من ليمان بأخطاء حسابات القادة العسكريين أيضاً. وقال بأن المعركة ليست معركة عابرة، وليس من المفهوم لماذا لم يقدروا الوضع بشكل صحيح، ولم يعززوا صفوف القوات. ورأى أن المشكلة في الكذب الشامل وفي التقارير عن حسن سير الأمور. والمشكلة ليست على الأرض، بل في قادة وزارة الدفاع الذين لم يستوعبوا الوضع حتى الآن. ويؤكد الجنرال النائب أن شيئاً لن يتغير طالما لم يبرز في قيادة الأركان ما هو مختلف كلياً، و"كل الباقي نتيجة للسياسة المتبعة هناك". 

تقول الصحيفة بأن العسكريين والخبراء والسياسيين ينتظرون الآن رد الكرملين على هذه التصريحات الصاخبة. ومن المتعارف عليه في النظام السياسي الروسي عدم الترحيب بالإتهامات والإنتقادات من مسؤولين رسميين بحق مسؤولين آخرين. أضف إلى ذلك أن من كان يستنكر أعمال قادة روسيا والجنرالات كان يوصم بالعمالة في بداية "العملية الخاصة"، وذلك بحجة أن أي نقد في روسيا أثناء العمليات العسكرية غير مقبول ويعمل لصالح العدو، وغير مسموح به إلا بعد النصر.

لكن مع ذلك أعلن قاديروف أنه إلتقى مطلع الشهر الجاري مع النائب الأول لمسؤول ديوان الرئاسة الروسية، و"ناقشنا المسائل الأكثر أهمية إجتماعياً، وحددنا الإتجاهات التي ينبغي التركيز عليها". وتنقل عنه الصحيفة قوله بأن المسؤول في ديوان الرئاسة أعرب عن دعمه له في جميع النقاط الرئيسية، ووعد بتقديم المساعدة الكاملة في حل الصعوبات القائمة. 

بين الآراء المتعددة التي ساقتها الصحيفة، تفرد رئيس اللجنة المركزية لنقابة العسكريين في أنحاء روسيا بتأييد إنتقادات قاديروف، وقال بأنها أحدثت إنفجاراً من التعليقات المؤيدة في شبكات التواصل الإجتماعي. أما البقية، ومن بينهم من كان مراسلاً حربياً في ليمان قبل سقوطها، فقد أجمعوا على أن الإنتقادات "قاتلة" في زمن الحرب . وقال أحدهم بأنه تعرف إلى الجنرال لابين العام 2017 في سوريا، وأشار إلى أن الجنرال دعا قيادة وزارة الدفاع في حزيران/يونيو المنصرم إلى إعلان التعبئة العامة. ورأى المراسل أن المشكلة ليست في جُبن جنرال منفرد أو عدم كفاءته، بل في أنظمة الإتصالات والقيادة. 

البوليتولوغ المعروف عباس غالياموف من جمهورية بشكيريا، والذي سبق أن عمل في إدارة إعداد خطابات رئيس الوزراء الروسي، نشر في 2 من الجاري في موقع Kasparov المعارض نصاً مقتضباً بعنوان "الثغرة"، وأردفه بآخر ثانوي "كان يجدر بأصدقاء بوتين أن يعتذروا الآن من الجنرالات، لكنهم لا يجيدون ذلك". يُذكّر غالياموف بأنه، ومنذ اليوم الأول للحرب وإتضح أنه لن تكون هناك "حرب خاطفة"، "قلت أنه ستتشكل ثغرة بين الجيش وبوتين". بوتين سوف يعتبر أن الجيش خذله: تظاهر بأنه قوي، وتبين أنه ضعيف. وكان الجيش يتهم بوتين ومخابراته بالتقدير الخاطئ للوضع، وبأنه دفع بالمقاتلين إلى المعركة دون إعدادهم. فهم لم يذهبوا كما إلى العرض، ولم يتلقوهم بالورود، بل بمسيّرات بيرقدار والمدفعية بعيدة المدى. 

بعد تلك الإهانات التي وجهها للجنرالات كل من قاديروف وبريغوجين (أصدقاء بوتين، كما يعرفهم العسكريون)، أصبحت الثغرة أوسع بما لا يقاس. ومن المستبعد أن يقوم العسكريون بانقلاب، فهم محبطون للغاية، لكن الغضب يتراكم. وكان على أصدقاء بوتين أن يعتذروا الآن، لكن هؤلاء لا يعرفون الإعتذار. 

إنتكاسة خاركوف، ومواصلة الجيش الأوكراني هجومه في الدونباس الذي تكلل في الأول من الجاري بالسيطرة الكاملة على مدينة ليمان، جعلت بوتين يتعجل في إنجاز عملية تشريع ضم المناطق الأوكرانية إلى روسيا، بعد أن كان أجلها مرات عدة. فقد وقع مع مسؤولي هذه المناطق يوم الجمعة في آخر الشهر المنصرم مراسيم الضم، وأفتت المحكمة الدستورية العليا الأحد في 2 الجاري بقانونيتها، وصادق البرلمان الروسي على المراسيم الأربعة مساء الإثنين في 3 الجاري "من دون سؤال واحد" من النواب الروس، حسب صحيفة MK  الإتحادية.