تسرب النفط الروسي..جبهة حرب جديدة

بسام مقداد
السبت   2022/10/01

أحاط بوتين ضم المناطق الأوكرانية المحتلة، جزئيا أو كلياً، إلى الأراضي الروسية بصخب إعلامي كبير ومراسم جمعت البرلمان ومجلس الإتحاد وحكام المناطق الروسية. كما حرص على إبراز صورة ممثلي  المناطق الأوكرانية المعنية وهم ينقلون إليه بشرى نجاح إستفتاءاته للإلتحاق ب"العالم الروسي بنسبة 99% المحببة لدى الأنظمة التسلطية. هذا الصخب الذي أحاط به بوتين "تشريع" ضم الأراضي الأوكرانية إلى روسيا، ليس من المستبعد أن يكون قد تقصده في رده على ما يشتبه به الغرب من جبهة جديدة في حربه، ليس على أوكرانيا فحسب هذه المرة، بل على البنية التحتية للطاقة الأوروبية. الغرب حسم أمر تسرب الغاز الروسي من أنابيب نقله إلى أوروبا، وأعلن أنه ليس حدثاً طارئاً، بل عملية تخريب متعمد يرجح أن تكون روسيا قامت بها، وإن كان بعضه (البولونيون) يؤكد ذلك.

التصعيد الجديد المشتبه به بوتين في الحرب على البنية التحتية للطاقة الأوروبية، يحرص هو على تصويره عدواناً على الممتلكات الروسية، وقرر نقله إلى مجلس الأمن الدولي الذي دعاه إلى الإجتماع في آخر الشهر المنصرم. لكن الولايات المتحدة سارعت مع ألبانيا إلى دعوة المجلس إلى عقد جلسة أخرى للنظر في الإستفتاءات بشأن ضم المناطق الأوكرانية إلى روسيا، والذهاب إلى الجمعية العامة للمنظمة في حال إستخدمت روسيا الفيتو ضد إدانة الإستفتاءات ورفض هذا الضم. ويحرص بوتين في المرحلة "الجديدة" من حربه على إنتهاج سياسته المعهودة في محاولة شق الإتحاد الأوروبي وإبعاده عن الولايات المتحدة. ولذا فهو يقدم نفسه بأنه المتضرر الرئيسي مع الإتحاد الأوروبي من تعطيل أنابيب "سيل الشمال" 1 و2، وأن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من هذا التعطيل، ولا يستبعد قيامها به.

في هذا السياق نشرت صحيفة الكرملين vz في 27 المنصرم نصاً بعنوان "من بوسعه تفجير خطي "سيل الشمال". "سيل الشمال ــــ 1" سبق أن قلصت  روسيا تصدير الغاز بواسطته وحظرته نهائياً مطلع الشهر الفائب، و"سيل الشمال ــــ 2" لم تصادق ألمانيا على مباشرته بالعمل بعد إعلان بوتين حربه على أوكرانيا، وكل منهما يتكون من خطين. لكن الصحيفة، رغم ذلك، تقدم للنص بالقول إن تعطيل الخطوط الثلاثة من السيلين حدث فريد في تاريخ أوروبا. ويتحدثون عن روايات عديدة لما حدث، لكن الأساسية منها تبقى التخريب المتعمد. وتطرح أسئلة باشرتها بالإستهجان كيف كان من الممكن تفجير أنابيب الغاز في قعر بحر البلطيق ويبقى الجاني غير مكشوف؟ من كان بحاجة لمثل هذا التخريب، وماذا ينتظر بقية خطوط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا؟

تنقل الصحيفة عن خبير روسي تفرده بسرد رواية لما حدث تقول بأنه تم إختبار صلابة الأنابيب بإسقاط مرساة سفينة عليها من فوق سطح المياه، وأن إختباراً مماثلاً سبق أن أجري في هونغ كونغ على أنابيب نقل تحت المياه لم تصمد لصدمة المرساة. لكنه ينفي مثل هذه الرواية في حالة الأنابيب الروسية لأن إنخفاض الضغط حدث دفعة واحدة فيها جميعا، وليس بالتوالي. إضافة إلى ذلك، يقول الخبير بأن منطقة الحدث تعج  بالسفن المدنية والعسكرية، ولم يكن بوسع الجاني أن يبقى متخفياً عن أنظار العسكريين السويديين والدانماركيين. كما أنه ينفي كلياً إمكانية حدوث تسرب تلقائي من الأنابيب، وذلك لأسباب يعددها، ومن بينها أن الأنبوب الأول يعمل منذ 11 عاماً، وأن التحقق التقني من سلامة الأنابيب تم في تموز/يوليو المنصرم.

 رأت الصحيفة أن تشير إلى أن ما حدث لخطوط الغاز الروسي في البلطيق تزامن مع إفتتاح خط نقل الغاز في قعر البحر عينه من النروج إلى شمال غرب بولونيا، لكنها تشير إلى أنه لايستطيع، بقدرته المحدودة، منافسة الخطين الروسيين. ولا تنسى أن تذكر أن بولونيا مدت الخط بالأموال الأوروبية "خصيصاً كي لا تشتري الغاز الروسي"، وسيتعين عليها الإشتباك مع ألمانيا من أجل الغاز النرويجي. 

خبير روسي آخر تنقل عنه الصحيفة بأن أوروبا وروسيا هما الطرفان المتضرران مما حدث لخطوط الغاز الروسي، والولايات المتحدة هي فقط المستفيدة منه، حيث أنها تثابر على نسف جسور التعاون الأوروبي الروسي في مجال الغاز. وتؤكد بأنه "لا تتوفر "لدينا" الآن الإمكانية التقنية لتوريد الكميات الضرورية من الغاز لأوروبا، حيث أن "عملية الإصلاح ستكون طويلة". ويرى الخبير أن أحداً لم يكن ليتصور حتى أن مثل هذا الأمر ممكن الحدوث لخطوط الغاز الروسية البحرية، ويصفه بأنه "حدث فريد من نوعه في التجربة الأوروبية" لم يطرأ منذ الحرب العالمية الثانية. ويعتبر بأنه إشارة تعني الجميع، وأن كل خطوط نقل الغاز هي في دائرة الخطر، ويشكل مقدمة جديدة كلياً في سياسة الطاقة الأوروبية.  

وبعد أن يشير الخبير إلى إحتمال بقاء خطي الغاز الروسي خارج الخدمة لسنوات قادمة، يرى أن إحتمال تراجع الإقتصاد الصناعي الأوروبي الذي تفيد منه الولايات المتحدة أيضاً، يصبح أكثر واقعية. ويتحدث عن إحتمال تعرض خطي الغاز الروسي الجنوبيين عبر تركيا إلى عدد من بلدان شرق أوروبا إلى مصير خطي الشمال عينه، ويرى أن البلدان الأوروبية لايمكنها أن تعتمد على مساعدة بعضها في حقل الطاقة، لأن المصادر الأوروبية والبديلة لا يمكنها تعويض مصادر الطاقة الروسية. 

الأسبوعية الأوكرانية ZN  نقلت في 28 المنصرم عن صحيفة Politico الأميركية قولها بأن "تخريب "سيل الشمال" يشي بجبهة جديدة في حرب روسيا على أوكرانيا". وتقول ترجمة نص الأميركية إلى الروسية بأنه إذا كانت بنية الطاقة والمواصلات تحت سطح البحر قد أصبحت هدفاً لروسيا، فعلى الأساطيل الغربية أن تسارع إلى العمل. ويبدو أن أزمة الطاقة الأوروبية تدخل في مرحلة جديدة خطرة. فإذا تأكدت أو تعززت الشكوك بأن روسيا بالذات تقف وراء التفجيرات التي أفضت إلى تسرب الغاز من "سيل الشمال"في بحر البلطيق، فإن العواقب ستكون وخيمة على أمن القارة. وعلى الجيوش الأوروبية أن تستعد لظهور جبهة جديدة مفاجئة في الحرب الروسية على أوكرانيا. وسوف يتعين على هذه الجيوش أن تنخرط في مواجهة مباشرة مع الأسطول الروسي. بريطانيا أبدت منذ زمن بعيد تخوفها من إقدام الغواصات الروسية على محاولة الإضرار بكابلات الإنترنت الممددة في قاع البحر. 

تفجيرات البلطيق تجعل هذه المخاوف أكثر واقعية وتثير ذكريات الحرب الباردة، حين كانت أساطيل الناتو والإتحاد السوفياتي، وخاصة غواصاتهما، تتصيد بعضها في بحر البلطيق. وتستند الصحيفة الأميركية إلى تصريح وزير الطاقة النرويجي لتقول بأن البلدان الأوروبية تتعجل بإتخاذ خطوات لرفع مستوى إستعداداتها حول البنية التحتية للنفط والغاز. 

تقول الصحيفة الأميركية بأن تسرب الغاز من "سيل الشمال" وقع بعد يوم من دعوة السلطات النرويجية إلى الحذر من ظهور مسيّرات مجهولة قرب البنية التحتية للنفط والغاز. وتشير إلى أن الأسطول البريطاني أصدر في تموز/يوليو المنصرم تصريحا تحدث فيه عن خطوات ستتخذ لرفع مستوى الإستعداد حول البنية التحتية للنفط والغاز. ومثل هذا القرار تـم إتخاذه في اوسلو بعد مناقشة شاركت فيها الحكومة، الجيش، الشرطة وهيئات الطاقة.  

وبعد أن تستعرض الصحيفة ما ذكرته رئيستا وزراء الدانمارك والسويد عن أن التفجيرات مقصودة وخطيرة جداً، تقول بانه يبدو أن الزعماء الأوروبيين الآخرين قد حددوا من المسؤول عن التفجيرات.