حكومة ال6 أشهر..تصريف الأعمال أم تأجيلها

ساطع نور الدين
الأحد   2021/09/12

ما كان يبدو معجزة، تحقق بالفعل. لم يعد المهم تحديد حجم التنازلات او التضحيات التي قدمها الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي. المهم ان ثمة حكومة، تسد الفراغ الذي شلّ الحياة في البلد، بالمعنى الحرفي والدقيق للكلمة. وأزيح عن كاهل اللبنانيين الإقتناع بأن ثمة طرفاً او حزباً أو تياراً لا يريد حكومة، لإعتبارات داخلية أو لإيحاءات خارجية..

المعجزة، حتى الآن على الاقل، تبقى محصورة بحقيقة بديهية هي  أن وجود حكومة، أيا كان شكلها ولونها، هو أفضل من غيابها الذي هدد بالفعل شرعية الدولة وعطّل جميع مؤسساتها من دون إستثناء.. وهو ما يعني تفادي "الارتطام الكبير" الذي شاع ذكره في الفترة الأخيرة، ليحل محله الكلام عن إعادة ترميم ما تهدم من بنية الدولة وآليات عملها البدائية، القائمة على توفير الخدمات الأساسية، مثل تأمين الكهرباء والماء والغذاء والاستشفاء والتعليم والمشتقات النفطية.

لكن هذه المعجزة، على أهميتها، تتوقف هنا. من الآن فصاعداً، لن يكون دوران عجلة الدولة إعجازاً. وقد بدأت على الفور مرحلة تفكيك الكثير من الاوهام المتداولة..والتي ستكون محكومة، كما يبدو، بعرفٍ لبناني جديد يجعل من تصريف الأعمال القاعدة وليس الاستثناء، والشرط الإلزامي للخروج من الفراغ التام الذي ساد في الاشهر الماضية، ومن أي فراغ يمكن ان يتكرر في أي وقت، ما دام يصعب الشروع في عملية إعادة تأسيس الدولة، من نقطة الصفر، التي لامستها أخيراَ.

وعدا عن العَلَم اللبناني، الذي لا يتطلب التعديل، بأرزته وألوانه، ليس من المبالغة القول أن تلك العملية المطلوبة تشمل بقية رموز الدولة اللبنانية ووظائفها الرئيسية كافة، بدءاً من العملة الوطنية التي يفترض ان تحدد قيمتها وهوامش تداولها، كمدخل لاعادة الخدمات الحيوية وإطلاق دورة الانتاج في القطاعين العام والخاص..وهي مهمة كبرى ليست مطلوبة من الحكومة الجديدة، في ولايتها المؤقتة بنحو ستة أشهر على أبعد تقدير..

بسرعة، يمكن أن تقدم الحكومة الجديدة الأدلة على أنها مجرد وريثة شرعية لحكومة تصريف الاعمال القائمة منذ عام مضى، بناء على ظروف تكوينها وعلى هوية بعض وزرائها غير المؤهلين للعمل العام أبداً. المقياس الشرعي الوحيد الذي يمكن ان يعتمد للحكم على أداء الحكومة الجديدة، هو الحد الاقصى الذي يمكن ان توفره من الكهرباء، فإذا كان أقل من 12 ساعة يوميا، وفي مهلة 12 أسبوعاً، يكون فشلها ذريعاً، ويُباح إسقاطها فوراً.
الدخول في تحدي حماية الليرة والودائع وإصلاح القطاع المصرفي والحصول على المساعدات والقروض المالية الخارجية، هو الاعجاز بعينه. وهو ما لا يتوقعه أحد من اللبنانيين، ولا من الدول الشقيقة والصديقة، ولا طبعا من المؤسسات الدولية المانحة، التي عانت الامرّين مع المسؤولين اللبنانيين، في الفترة الماضية، ولا تثق بان التغيير الحكومي يكفي لفتح صفحة جديدة مع لبنان، وإنجاز التفاوض مع حكومة مكلفة بالحكم لأشهر، ورئيس جمهورية باقٍ في الحكم لأشهر أيضاً.. إلا إذا توصلا الى تواطؤ وطني عام على تأجيل الانتخابات النيابية والرئاسية.

بناء على مؤشر الكهرباء، ومعه أيضا المازوت والبنزين، يمكن تحمل العيش في ظل حكومة تصريف أعمال جديدة.. تفكك الشائعات الرائجة حالياً عن أنها كانت وليدة تفاهم أميركي إيراني أو فرنسي إيراني، وهي كما يبدو براء من أي تدخل خارجي، غير ذلك الذي عبّر ولا يزال يعبر عن الاحتقار للطبقة السياسية، ومسؤوليتها عن الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي لحقت بلبنان على مدى الشهور الماضية.. والتي يجوز فيها الاتهام بالخيانة العظمى او حتى بالابادة الجماعية.