الانقلاب او الحكومة العسكرية..حلم ليلة صيف

ساطع نور الدين
الخميس   2021/07/01
قريباً، عندما يصدر البلاغ العسكري الرقم واحد، معلناً فرض حالة الطوارىء وتعليق العمل بالدستور، والتعهد بتوفير الخدمات والسلع الاساسية للبنانيين، والالتزام بإحياء العملية الديموقراطية وبتحديد مواعيد منظورة للانتخابات النيابية والرئاسية، لن يكون لبنان بالضرورة قد خطا خطوة الى الوراء، الى أواسط القرن الماضي، عندما كانت الانقلابات العسكرية في مختلف دول العالم الثالث، هي الخيار الوحيد لإزاحة ورثة المستعمِر.

لم يبدأ التداول في صيغة هذا البلاغ، وإن كانت اللغة العربية تحوي في محفوظاتها الكثير من الصيغ المناسبة لكتابته.. وإن كانت اللغات الاجنبية، التي عجزت عن تفسير الازمة اللبنانية الراهنة الناجمة عن العداء الشديد الذي تكنه الطبقة السياسية اللبنانية للغالبية الساحقة من مواطنيها، يمكن أن توفر مصطلحات(وشروط) مناسبة للإقدام على هذه المغامرة الاستثنائية، عندما يحين موعد المباشرة بها.. وهو كما يبدو ليس متخيلاً.

في بعض القاعات والمجالس السياسية المغلقة، تطرح فكرة الانقلاب العسكري، الغريب على تقاليد السياسة اللبنانية، (باستثناء المحاولة الانقلابية للحزب السوري القومي الاجتماعي في صيف العام 1961)، بصفتها المآل الحتمي الوحيد للأزمة الراهنة، بما هي إستعصاء للنظام السياسي الذي أنتجته الحرب الاهلية، وإنهيارٌ للدولة ومؤسساتها المدنية التي يديرها أمراء تلك الحرب، وسحقٌ تامٌ للمجتمع على إختلاف طوائفه وطبقاته. لكن التداول بالفكرة يقف عند حدٍ أو شرطٍ بالغ الخطورة: لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع، إذا لم تسفر الأزمة عن فلتان أمني شامل، يسود العاصمة ومختلف المدن الكبرى والارياف، ويهدد بمحو الجمهورية اللبنانية عن الخريطة، وتنتهك الفوضى الداخلية الحدود البرية والبحرية والجوية للبنان.

لم يصل البلد الى تلك المرحلة، لحسن الحظ، والارجح أنه لن يصل إليها. الطبقة السياسية تدير الفوضى والفراغ والفقر والجوع بنجاح نسبي، لا بد من الاقرار به، وهو يعيد التذكير بمراحل التأسيس الاولى للدولة، التي إختصرها ميشال شيحا بالقول أن لبنان سيظل يعرج من دون أن يسقط.. مع العلم أنه اليوم، أقرب الى السقوط من أي وقت مضى في تاريخه الحديث، حتى في عز الحرب الاهلية.

النجاح النسبي الذي تحققه تلك الطبقة السياسية، حالياً ، في إدارة الأزمة العصيبة، يعني أنها لا تزال قادرة على تفادي الانقلاب العسكري، أو أنها قادرة على إحباطه فور صدور البلاغ الرقم واحد، مهما كان الدعم المحلي والخارجي حاسماً ومؤثراً.. هذا قبل الوصول الى حزب الله، الذي يرتاب في الأصل من أي خطوة في هذا الاتجاه، ويعتبرها مقدمة لإشتباك مباشر معه ومع سلاحه، مهما بلغت درجة الفقر والجوع في البيئة الشيعية خاصة.

وعليه يصبح الانقلاب العسكري خارج جدول الاعمال والاحتمالات، ويبدو البلاغ الرقم واحد مثل حلم ليلة صيف، تفرضه معدلات الحرارة والرطوبة المرتفعة، وتستدعيه الرغبة المعلنة في الانتقام من الطبقة السياسية الحاكمة.. وتفسح المجال لحلم مشابه، يراود الكثيرين من اللبنانيين المفجوعين بإنسداد آفاق السعي لوقف الانهيار الحالي: هل من حكومة عسكرية ما؟ تقفل باب المساومات الاجرامية الراهنة على تشكيل حكومة مدنيين، وتوفر مخرجاً سريعاً ، ولو مؤقتاً، يمنع ما يسمى في اللغة المحكية اليوم ب"الارتطام النهائي" في القعر الأخير.

هنا أيضا يدور الجدل، حول من يشكل مثل هذه الحكومة، وكيف؟ هل تكون بقرار من رئيس الجمهورية، وبناء على المعايير الطائفية المعتمدة، التي عطلت ولا زالت تعطل قيام حكومة مدنية، وإستنادا الى المعايير الدستورية والسياسية نفسها التي لا تمس مشروعه للتوريث، ولا تلغيه. فتكون حكومة نهاية العهد، والوصاية على مرحلة ما بعده. أم تكون حكومة مختلطة عسكرية ومدنية، تتوزع المهام والمسؤوليات الداهمة التي تقتضي يداً حديدية ويداً إختصاصية تعملان معاً على ضبط الامور.

الافكار الصيفية تقف عند هذا الحد. وظيفتها الاولى كانت تخويف الطبقة السياسية، التي، لسوء الحظ، لم تشعر حتى الآن بأي خوف. أما وظيفتها الثانية، فهي البحث فعلا عن بدائل للمصير الاسود الذي يندفع نحوه لبنان بسرعة جنونية..حتى ولو كان هذا البحث نفسه هو أغرب ما يمكن ان يحصل في أي بلد في العالم: الانقلاب او الحكم العسكري، موضوعٌ للتداول، وهو خرج بالفعل من الغرف المقفلة!

 لكن هذا هو لبنان العجيب، الذي لا يشبه إلا نفسه.