الكابوس اللبناني..الذي لن ينتهي بإلانتخابات

ساطع نور الدين
الأحد   2021/06/06
© Getty

هل شارفت الكذبة المتوارثة منذ مئة عام او على الأقل منذ 88 عاماً على الافتضاح، أم إقترب موعد إطلاق خرافة لبنانية جديدة، تضمن حصول اللبنانيين على هدنة جديدة، مدتها عقد أو إثنين لا أكثر..

الازمة السياسية والاقتصادية الراهنة، ليست الاسوأ في تاريخ لبنان الحديث. ومن عاش الحرب الاهلية وفظاعاتها، يعرف معنى هذا الكلام ودقّته، ويدرك حقيقة أن مختلف الذين يجرون المقارنات اليوم، يخرجون بإستنتاجات تفيد بأن البلد يستعيد جميع مظاهر تلك الحرب، عدا الأمنية منها. وهذا أمر حسن، خاصة وأن إنهيار الامن وتفكك مؤسساته مستبعد. الاستعادة تصبح في هذه الحالة نوعاً من الاطمئنان ، بل ربما الحنين المكتوم الى تلك الايام، التي كان وعد التغيير فيها حياً.. نابضاً بالدم والدموع!

اليوم، تبدو المعضلة أشد من غياب الافق. لا أحد يعرف كيف ومتى تنتهي هذه الازمة، وما هو الثمن الذي ستدفعه الغالبية الساحقة من اللبنانيين، من مختلف الطوائف والمذاهب. ولا أحد يعرف ما إذا كان لبنان يقترب من نهايات الازمة، أم أنه يقف في منتصف الطريق، ولم يبلغ الذروة بعد، ولم يرتطم بالقاع السحيق الذي يتجه نحوه منذ عامين أو أكثر. الثابت لدى تلك الغالبية، أنه سيكون هناك ناجون، مستفيدون، أمراء جدد، يتحكمون بالاقتصاد والمال والسياسة، ويختلفون عن الأمراء الذين خلفتهم الحرب وأورثتهم البلد، فأحالوه خراباً.

الأزمة الراهنة، لم تعد تسمح بالتوريث السياسي لأي طرف كان. فهي تحسم من زعامة جميع الزعماء التقليديين، وتمهد لتنحيتهم واحداً تلو الآخر، بل وحتى إقفال بيوتهم السياسية، التي إستمدت من الحرب الاهلية وعصبياتها ومخلفاتها  مصادر الاستمرار والبقاء، وما زالت تخوض غمار السياسة وكأنها تقف على خطوط التماس التي رسمتها تلك الحرب.

وكما ستسفر الازمة عن هزة سياسية قوية للهيكل السياسي للبنان، فإنها وبشكل أسرع، ستقوض الاساس المتين الذي قامت عليه التجربة اللبنانية: القطاع المصرفي الذي كان نموذجاً فريداً ومصدراً للثقة والثراء ولصنع القرار الوطني، لن تقوم له قائمة بعد اليوم، بعدما صارت البنوك مثل دكاكين البيع بالمفرق بلا دفاتر حساب، وبعدما أصبح المصرف المركزي سوبر ماركت يقوم بإخفاء النقود والسلع لكي يساعد في رفع أسعارها.  

ومثلما ستسدل هذه الازمة الستار على عصبة كاملة من المسؤولين والسياسيين، وتمهد لبروز أجيال وأسماء وأنماط جديدة من رجال الدولة، فإنها ستؤدي الى إقفال المصارف اللبنانية كافة، من دون إستثناء، وتفسح المجال لتأسيس وإفتتاح مصارف جديدة لم يتورط أي من مؤسسيها وإدارييها بأي شكل من الاشكال في المؤامرة الحالية على المودعين اللبنانيين، لا سيما منهم الصغار.

هذا ما تقوله الحتمية التاريخية، لكنها لا تضرب موعداً للاصطدام بالقعر، وحصول الانفجار الشعبي الكبير، ولا تعطي تقديراً لموعد البدء بإعادة بناء لبنان، من نقطة الصفر او ما دونها. التجربة اللبنانية المديدة، تفرض قياس الزمن بطريقة واقعية هادئة، لا تضيق الافق عند حدود نهاية عهد الرئيس او ولاية البرلمان الحالي، أو عند المعارك الانتخابية الكاريكاتورية، كما هو سائد حالياً. ثمة إحساس عام، خادع، بأن هناك متسعاً من الوقت، أمام الجيل الجديد الذي أطلق ثورة 17 تشرين 2019، ونسيها، ولم يكتشف حتى الآن أن هناك حاجة ملحة للرد على السؤال الذي لا يزال يحيّر العالم أجمع: لماذا لا يتحرك اللبنانيون بغالبيتهم اليوم، لمواجهة واحدة من أسوأ أزماتهم الاقتصادية التي تهددهم بالفقر والجوع..لا سيما وأن الدولة خراب، والسلطة فراغ، والشارع خالٍ.

صحيح أن مهمة ذلك الجيل الجديد صعبة جداً، بل تاريخية، لأنها تعنى بكتابة أسطورة لبنانية جديدة، بدلاً من ترميم الخرافات التي سادت طوال القرن الماضي، وعفا عليها الزمن. لكن الخطر داهم، والفرصة قد لا تتكرر. والعالم كله ينتظر، يأمل، يشجع، يصلي للخلاص من ذلك الكابوس اللبناني، الذي يرعب الجميع أكثر بكثير مما يخيف اللبنانيين أنفسهم.