النظام الايراني عندما يهزم الاصلاحيين

حسن فحص
الأحد   2021/06/20

انتهت الانتخابات الرئاسية في ايران الى النتيجة التي ارادها النظام، واستطاع ايصال المرشح الذي بدأ مسيرة اعداده بشكل عملي وعلني مع فوز حسن روحاني في انتخابات عام 2013، تلك الانتخابات التي سعى النظام والدولة العميقة حينها ان يقلل من خسائره او القبول بالحد الادنى من الخسائر التكتيكية من خلال تمرير وصول روحاني تفاديا لعودة الرئيس الاسبق الراحل هاشمي رفسنجاني الذي وصل حينها الى نقطة افتراق واضحة ومنهجية مع المرشد وقوى السلطة التي تقبض على النظام من خلف الكواليس. والكلام عن رفسنجاني هنا ليس من باب الضرب بالغيب او تحميل الاشياء ما لا تحتمل، بل فضحته تصريحات وزير الامن الاسبق حيدر مصلحي الذي كشف ان قرار استبعاد رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية عام 2013 جاء في اطار الحفاظ على مصالح النظام الاستراتيجية ونتيجة الشعبية الواسعة التي يتمتع بها رفسنجاني المختلف مع المرشد والتي قد تتجاوز 90 في المئة، وبالتالي كان لا بد من التضحية به للحفاظ على مصالح النظام العليا. 

قد تكون رغبة المرشد واصرار الدولة العميقة على ايصال رئيسي الى رئاسة الجمهورية تعبيرا عن ضرورة على طريق اعداده ليكون احد ابرز المرشحين لمنصب خلافة المرشد ، وهذا مسار او بعد خاضع للكثير من الجدل وتوازنات اللحظة التاريخية التي تطرح فيها مسألة الخلافة بشكل جدي. فالمرحلة الانتقالية بين رئاسة الجمهورية وقيادة النظام، قد لا تعني نهائية الخيار لدى قوى النظام المقررة، ما يجعل الخلافة ايضا تتحول الى مرحلة انتقالية ثانية بقيادة رئيسي لتمهيد الطريق امام وصول الشخصية التي من المفترض ان تتولى هذا الموقع بعد تهيئة الارضية السياسية والاجتماعية والدينية لها.

واذا ما كان وصول رئيسي يشكل مؤشرا على الهواجس التي تسيطر على تيار السلطة ومستقبل قيادة النظام وضمان آليات سلسلة للانتقال، والتي قد تتحول الى ازمة حقيقية اذا لم تنجح الجهات التي تتولى هذه المهمة في تسويقها وتكريسها. الا ان نتائج الانتخابات كشفت عن ازمة اخرى قد تكون اكثر تعقيدا داخل صفوف التيار والقوى الاصلاحية، قد لا يكون من السهل الجزم بتداعياتها السلبية الان، الا انها تشكل مؤشرا حقيقيا على مستقبل ودور هذه القوى وحجم تأثيرها على الشارع الايراني. 

فالاصوات التي حصل عليها المرشح عبدالناصر همتي الذي دخل الحضن الاصلاحي في اليومين الاخيرين قبل يوم الاقتراع، والتي بلغت نحو 2 مليون ونصف المليون صوت، لم يستطع فيها منافسة الاصوات اللاغية التي حلت بالمركز الثاني بعد  المرشح الفائز وتجاوزت نسبتها 14 في المئة بنحو 4 مليون ونصف المليون صوت. واذا ما اعتبرنا ان هذه الاصوات شكلت صوتا اعتراضيا على السياسات القائمة وقد تكون ردا على الفتوى التي اصدرها المرشد واعتبر فيها الاقتراع بورقة بيضاء "حرام". الا انها تكشف، اذا ما جمعت مع الاصوات التي حصل عليها همتي، حجم الكتلة البشرية التي مازالت تتأثر وتستجيب لنداءات القيادات الاصلاحية التي دخلت بثقلها في اليومين الاخيرين لمنع وصول رئيسي الى الرئاسة ومحاولة كسر ارادة الدولة العميقة الداعمة له. 

هذه النتائج المتواضعة لـ"همتي" والاوراق البيضاء او الاصوات اللاغية، ترقى في البعد السياسي الى حدود الهزيمة للتيار الاصلاحي وقياداته والخطاب الذي تحمله، وتكشف عن تراجع تأثير خطابها "المحافظ" الذي لم يعد يلبي طموحات القوى الشعبية والحزبية المطالبة بالتغيير الجدي او احداث نقلة نوعية في آليات النظام، ولم تفلح كل محاولات التنصل من اداء حكومة روحاني في تبرئة ساحتها من مسؤولية الفشل الذي عانت منه سياسة معالجة الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وترددها في تقديم خطاب مقنع يحمل المسؤولية للجهات الحقيقية التي ساهمت وعملت على تعقيد وتأزم الاوضاع الداخلية لافشال محاولات استثمار حكومة روحاني في نتائج الاتفاق النووي الاقتصادية والانفتاح على المجتمع الدولي. 

لا شك ان النظام نجح في استيعاب الهجوم الذي تعرض له نتيجة اداء مجلس صيانة الدستور في استبعاد ابرز المرشحين الاصلاحيين والمعتدلين، وافرغ الدعوة للمقاطعة من مفاعيلها، وتجاوز مأزق المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية قبل نحو عام نصف العام. اذ وعلى الرغم من حالات التذمر والاصوات المعترضة التي ارتفعت في المرحلة الاخيرة والتحذير من مساعي تغيير طبيعة النظام الجمهورية وتحويله الى نظام خلافة وسلطة دينية مطلقة. فان ارتفاع نسبة المشاركة الى حدود 49 في المئة وفوز مرشحه بنسبة 64 في المئة من اصوات المقترعين، حققت له اهدافاً استراتيجية لم يكن من السهل توفيرها في ضربة واحدة، يأتي في مقدمتها مسألة شرعية النظام الشعبية من خلال تحويل المشاركة في الانتخابات الى نوع من الاستفتاء على شرعية تمثيله وتعزز موقفه في مواجهة الضغوط الدولية، خاصة وان امكانية تسويغ عزوف النصف الاخر من المجتمع الايراني عن المشاركة لاسباب ابرزها انتشار وباء كورونا الذي مازال يفتك بالمدن الايرانية. ولعل الهدف الثاني والذي لا يقل اهمية عن مسألة شرعية النظام، وهو اضعاف القوى الاصلاحية وسلبها القدرة على لعب دور مؤثر في الحياة السياسية كقوة قادرة على تحريك الشارع بالاتجاه الذي تريده. فضلا عن توفير الارضية المؤاتية للسير بمشروع تكريس التوجه الذي تريده الدولة العميقة ان كان على صعيد الامساك بمفاصل السلطة او على صعيد الاعداد للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد وطبيعة النظام ومن سيتولى موقع القيادة. 

هذه الخلاصات من المفترض ان تكون من اولويات القوى الاصلاحية في المرحلة المقبلة، ومنهجية التعامل معها هي التي ستحدد ما اذا كانت هذه القوى قادرة على الاستمرار واستعادة الدور والعودة الى دائرة التأثير، ام انها ستقبل بما ستنتجه المرحلة المقبلة وتتحول الى مجرد اصوات قد تكون ضرورية للنظام للحفاظ على طابعه التعددي المضبوط تحت السقف الذي يرسمه؟