مرشح السجادة الحمراء في إيران

مهند الحاج علي
الإثنين   2021/06/14

إنه الاقتصاد، ولا قضية تعلو فوقه. هذا بشكل ملخص هو الحديث عن الاهتمام المحلي وسلم الأولويات في حملات الرئاسة الإيرانية خلال الفترة المقبلة. ذاك أن الاقتصاد الإيراني انكمش بنسبة عالية عامي 2018 و2019 (6 و6.8 بالمئة تباعاً، وفقاً للبنك الدولي)، وما زال على حاله دون تسجيل نمو كبير نتيجة سنوات من العقوبات الأميركية القاسية والمزدوجة تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأيضاً في ظل جائحة الكورونا المتواصلة التي حصدت 81 ألف إيراني، وذلك في أعلى حصيلة بالمنطقة. حتى التقديرات الدولية في خصوص النمو الإيراني المرتقب هذا العام (هناك جدل حول أرقام العام الماضي)، وهو ضئيل (اثنان بالمئة وفقاً للبنك الدولي أيضاً) مقارنة بانكماش السنوات الماضية، مبنية على احتمال رفع العقوبات وعودة إيران إلى التعامل تجارياً مع العالم.

ومن هذا المنطلق، وبعيداً عن التعالي والتفاخر في البروبغندا الإيرانية، سيما تلك التي تتسرب الينا عبر وكلاء طهران واعلامهم في المنطقة، يتحدث المرشحون بإيجابية عن العودة للاتفاق النووي، لا بل يتنافسون في ما بينهم حول من هو الرئيس الأنسب لتطبيق البنود وضمان رفع العقوبات.  في المناظرة الرئاسية الأخيرة بين المرشحين السبعة للانتخابات، بعنوان "هواجس الشعب الإيراني"، وجه المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي، الحاكم السابق للمصرف المركزي في ايران، سهامه الى إبراهيم رئيسي، واتهمه بأنه لن يُفشل الاتفاق النووي بحسب، بل سيجلب المزيد من العقوبات للبلاد في حال فوزه بالرئاسة. وسردية همتي كانت مبنية على لوم المحافظين وتحميلهم المسؤولية عمّا آلت اليه الأوضاع بشكل كامل، إذ جمع بين التشديد على أن "العقوبات الأميركية المفروضة على إيران عرقلت عملية التقدم الاقتصادي في البلاد"، وبين اتهام رئيسي وأصدقائه، "بالإسهام في دعم توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بآرائكم المتطرفة"، لأن "التيار الآخر (التيار الأصولي) يريدنا أن نعيش من دون العالم". 

همتي ربط بين عقوبات الفترة الماضية، وبين ما ينتظر ايران في حال فوز رئيسي الذي "عارض ومن معه الاتفاق النووي"، إذ توقع فرض "عقوبات كثيرة".

اللافت أن رئيسي لم يرد بالتشدد في موقفه بل على العكس من ذلك، إذ قال إن فريقه "سيعمل على عودة الحكومة الإيرانية إلى الاتفاق النووي ... الاتفاق لن يُنفذ بواسطة من يُشبهون همتي، لأنه يحتاج إلى حكومة قوية". وربما هنا النقطة الأهم في كلام رئيسي، إذ أن الرجل يرى فرصة مواتية في العودة للاتفاق النووي، رغم حديثه لاحقاً عن شروط "تُناسبنا". يعي رئيسي والفريق الداعم له في السلطة الإيرانية، أن الاتفاق هو فرصة للنهوض بالاقتصاد، لا بل يُشكل رافعة سياسية-اقتصادية بعد طول انتظار، بالإمكان البناء عليها للانتقال إلى مرحلة جديدة في النظام الإيراني.

ذاك أن الرأي الغالب في طهران اليوم هو اعتبار فوز رئيسي "تحصيل حاصل"، نظراً الى قدرته على جذب الأصوات المحافظة، وعلاقاته الواسعة داخل النظام، وضعف المرشحين الإصلاحيين في مقابله. يُعدُّ رئيسي مرشحاً أساسياً لخلافة المرشد علي خامنئي، وقد يسعى الى سلوك الطريق ذاتها، إذ كان الأخير رئيساً منتخباً قبل اختياره لموقع المرشد خلفاً للخميني. الأرجح أن أقطاباً أساسيين في النظام، ممن يرون في رئيسي ضمانة لانتقال سلس بعد وفاة خامنئي، لن يُفرطوا بورقة استقرار مثل هذه في الانتخابات المقبلة، ولهذا قرروا شطب أعداد كبيرة من المرشحين وبينهم قطب أساسي مثل رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني، لتسهيل فوز رئيسي.

وهناك من يرى أن خامنئي على رأس مؤيدي تولي رئيسي منصب المرشد، إذ يحرص على وضعه الى جانبه، دوماً في موقع متقدم في المناسبات البارزة، ومنها غداة اغتيال قائد فرقة "القدس" قاسم سليماني مطلع العام الماضي.

بغض النظر عن صحة ذلك أم لا، يبقى رئيسي هو المرشح الأبرز. وفي حال فوزه بالانتخابات الرئيسية يوم الجمعة المقبل، وحسم الاتفاق النووي سريعاً بعد هذا الاستحقاق، سيحصد رئيسي فوائد هذا الجهد من خلال انتعاش الاقتصاد والخزينة الإيرانية. حينها، سيملك رئيسي المال الكافي للانفاق على مشاريع بنى تحتية وتذييل توقيعه على صك الخروج من الأزمة المرهقة والمتواصلة لسنوات. هل هناك أفضل من الرخاء المالي و"الشرعية" الانتخابية لضمان انتقال رئيسي الى سُدة المرشد؟ إنها سجادة حمراء طويلة تمتد من فيينا الى طهران.