عن إحتجاج فلسطيني عادي..أصبح حدثاً عالمياً

ساطع نور الدين
الأحد   2021/05/09

.. مع أنه أسبوع عادي في فلسطين، يشبه معظم أسابيع السنة الفلسطينية، ومع أنه فصل مُكرر من كتاب مقدسي قديم، ينفتح عند كل إنتهاك إسرائيلي في القدس ومسجدها، فهو يكاد يصبح هذه المرة حدثاً عالميا، يهز المواقف والمشاعر في مختلف دول العالم، ويفرض إستعادة تلك السردية المحفورة في الذاكرة الانسانية، منذ ما يقرب من مئة عام.

ثمة ما هو مختلف الآن، يمكن أن يُحال الى  صدفة سياسية، أملت تلك اليقظة المفاجئة في الوعي، إزاء قضية بالغة الدقة، ومدينة بالغة الحساسية. لكن هذه الصدفة لا تنسب فقط الى ليلة القدر الرمضانية، التي أشعلت الوضع ربما أقل من الاعوام السابقة، كما لا تعزى فقط الى مسألة حي الشيخ جراح المقدسي التي أحيت الروايات الاولى للتهجير واللجؤ والاحتلال والاستيطان، وأضاءت مجدداً على حقيقة أن إسرائيل ما زالت تحارب في القدس، وما زالت تستكمل مشروع التهويد.

ثمة ما هو مختلف أولاً في حركة فلسطينيي الداخل، الذين يدافعون اليوم عن حيز وعن رمز يختزل وجود نحو 12 مليون فلسطيني موزعين بين السجن والاسر والشتات، لا ينتمون الى فضاء واحد، ولا يرون أفقاً سياسياً مشتركاً، كأنهم يعيشون خارج الزمان. لم يعد لديهم سلطة، ولا معارضة، ولا رابط بينهما. لم يعد لديهم فرصة للتغيير الداخلي بعدما سُدت آخر المنافذ الضيقة أصلاً، بإلغاء الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية كما هو مرجح..

الاسبوع الاخير، كان تعبيراً صارخاً عن ذلك اليأس العميق، بقدر ما كان تجسيداً لمحاولة إحياء الرواية الوطنية من الألف الى الياء، من حي الشيخ جراح الذي يمس عصب جميع اللاجئين، الى القدس التي لم تسقط، الى الاقصى الذي لن يسقط.. الى الحلم الوطني الذي بدا أنه إبتعد بعد صفقة القرن، فإذا هو راسخ وثابت وعصي على النسيان.

الانتفاضة الفلسطينية الجديدة، موجهة هذه المرة ضد تلك الصفقة، مثلما هي موجهة ضد السلطة وفراغها والمعارضة وهزالها، ضد السياسة وهياكلها الموروثة من جيل الستينات او السبعينات الذي يرفض أن يتنحى..وهي تقيم رابطاً وثيقاً، ومتجدداً، مع فلسطينيي ال48، وتطلق، من دون قيادة ولا تنظيم ولا شعار، نداء للتجمع حول الهوية التائهة.

فجأة، وبجهد بسيط وحشد قليل، دوّت الرسالة في الخارج. نسفت صفقة القرن من أساسها، وأعادت الامور الى نصابها. عرّت عرب التطبيع الجدد وحشرتهم في الزاوية، بعدما كانوا يزعمون أن تحالفهم مع العدو يحمي الفلسطينيين، فاضطروا الى إصدار بيانات إستنكار للحملة الاسرائيلية على القدس ورموزها ومعالمها التي كانوا أصلا شركاء في تهويدها. وكذا الامر بالنسبة الى الكثير من الدول الاوروبية التي إستفاقت، كما يبدو، من الغفلة التي فرضتها إدارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وأعادت إكتشاف سياساتها المناهضة للتهجير والاستيطان والمس بالقدس والمبنية على حل الدولتين. حتى أميركا نفسها، تعاملت مع الانتفاضة الفلسطينية الجديدة كحدث مفصلي، ولم تكتف بإدانة العنف، بل شرعت في التلميح الى الاسس السابقة للحل، التي تعترف بعناوين النزاع الكبرى، والحاجة الى مقاربتها بموضوعية.. هذا فضلا عن عدد من الاصوات الشجاعة في الكونغرس الاميركي الذي كان يبدو في عهد ترامب أنه أشد تطرفاً من الكنيست الاسرائيلي، فبات يتيح صدور إدانات للجرائم الاسرائيلية أقصى من "الادانة" التي صدرت عن دولة الامارات مثلا.

قد تكون مجرد مواقف إنتهازية، عابرة، لكنها في الاساس تلتقط واقعاً فلسطينياً محرجاً، لا يحتمل بقاء ملايين الفلسطينيين خارج المكان والزمان، وخارج السياسة وضروراتها، وتتخفف من عبء سياسات أميركية ما زالت مخاطرها ماثلة على الارض الفلسطينية.  

ما تحقق حتى الان مهم نسبياً، بالقياس الى ما كان عليه الوضع الفلسطيني قبل أيام فقط، والى ما كان عليه الوضع العربي قبل أسابيع، وما كان عليه الوضع الدولي قبل أشهر. وهو ليس صدفة فقط، وليس إستثناء في اليوميات الفلسطينية.