حين "تصيد" الحريري لافروف في الخليج

بسام مقداد
الثلاثاء   2021/03/16
لقاء سعد الحريري مع لافروف في أبو ظبي ، جعل اللبنانيين يعتقدون ، أن لبنان قد يكون على جدول أعمال جولة لافروف في بلدان الخليج . إلا أنه لم ترشح أية معلومات مؤكدة ، بأن لافروف طرح على الخليجيين قضية لبنان . وما أعلنته الخارجية الروسية عن اللقاء ، وما نشره الإعلام الروسي ، يشير إلى أن لقاء الحريري ـــ لافروف جاء من خارج جدول أعمال هذه الزيارة ، وتكاد جدواه اللبنانية تقتصر على تأكيد موسكو، من خلال اللقاء ، تأييدها الحريري في موقفه من تشكيل الحكومة . وتحرص موسكو إجمالاً في الشرق الأوسط على أن تلعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية ، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف ، وهي تعتبر "الوساطة" هذه إحدى ركائز سياستها في المنطقة . 

اللقاء بدا ، من حيث الشكل ، خارج سياق الزيارة إلى حدٍ جعل أحد أكبر الصحف السياسية الروسية "Kommersant" تعنون نصها حول الزيارة بالقول " حتى لبنان كان ينتظر سيرغي لافروف في الإمارات العربية المتحدة" . ورأت الصحيفة ، أن لقاء لافروف مع سعد الحريري في أبو ظبي كان "إضافة غير متوقعة" للزيارة" ، إذ كان الحريري يتحين فرصة التحدث إلى لافروف و"تصيده" في المنطقة . وقالت ، بأن الحريري لم يتمكن من تشكيل الحكومة منذ تكليفه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي ، بسبب عدم إتفاقه مع القوى السياسية الأخرى ، وبالدرجة الأولى مع تلك المقربة من الرئيس ميشال عون . وفي هذا الوقت يتدهور الوضع في البلد يوماً عن يوم ، وانخفضت الليرة اللبنانية 15% - 17% خلال الأيام الأخيرة فقط . وتفاقمت العلاقات بين الرئيس اللبناني وقائد الجيش ، الذي أعلن بأن "الجنود يجوعون أيضاً" .

وتقول الصحيفة ، أن فرنسا كانت حتى الآن الوسيط الرئيسي في الحوار الوطني في لبنان ، لكن الساسة اللبنانيين ، بمن فيهم سعد الحريري ، يرحبون باية مساعدة . وتعتبر ، أن لدى روسيا علاقات جيدة مع جميع القوى السياسية اللبنانية ، وتشير إلى لقاء نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الأسبوع الماضي في موسكو مع مستشار الرئيس اللبناني أمل أبو زيد . وترى ، أن موقف إيران وجيران لبنان العرب مهمة من أجل تشكيل الحكومة في لبنان ، ولذا جاءت جولة لافروف في وقتها . 

صحيفة الإزفستيا ذكرت ، أن الحريري ولافروف ناقشا خلال المفاوضات الوضع في سوريا على خلفية ضرورة توحيد الجهود الدولية لتسوية الأزمة السورية على قاعدة قرار مجلس الأمن 2254 ، دون أن تشير إلى أي بحث بالملف اللبناني. ولم تلتفت الصحيفة ، كما يبدو ، إلى البيان الرسمي للخارجية الروسية بشأن اللقاء ، الذي قال ، بأن الرجلين أجريا تبادلاً معمقاً للآراء بشأن المعالجة السريعة للأزمة الإجتماعية الإقتصادية في لبنان ، من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط فاعلة ، تحظى بدعم القوى السياسية والطائفية الأساسية في البلاد . 

في إتصال هاتفي ل"المدن" مع المعلق السياسي في صحيفة " NG" الروسية إيغور سوبوتين قال ، بأنه يعتقد ، أن تبادل الآراء بين لافروف والحريري ، يشير إلى أن لبنان مستعد لتلقي المساعدة من أي طرف كان . وتحاول موسكو المحافظة على علاقات جيدة مع جميع القوى السياسية في بيروت ، وهو ما تشير إليه الزيارة إلى العاصمة الروسية لوفد من حزب الله (وصل الوفد برئاسة النائب محمد رعد إلى موسكو، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ، حسب نوفوستي) . ويقول ، بأن لبنان "فائق الأهمية" بالنسبة للسلطات الروسية من وجهة نظر ضمان الإستقرار الإقتصادي في سوريا ، حيث أن البلدين على "ترابط وثيق" بين بعضهما . 

الأحداث اللبنانية ، برأي سوبوتين ، تعني موسكو لسبب آخر أيضاً ، إذ أن الوضع الصعب ، الذي لا يزال يوجد فيه الجار السوري ، يستخدمه الجانب الروسي من أجل إظهار ضعف وعدم فعالية وساطة الدول الغربية  . 

وكانت معظم المواقع قد أجمعت ، وليس الروسية فحسب، على أن تأخر الإدارة الأميركية الجديدة في تأكيد معالم سياستها في الشرق الأوسط ، هو ما أفسح المجال لزيارة لافروف ، وأتاح بالتالي للحريري فرصة "تصيده" في ابو ظبي. فقد نقل موقع روسي عن خبراء أتراك في مقالة نشرتها وكالة الاناضول "Anadolu" قولهم ، بانه بينما لا تزال الإدارة الأميركية متقاعسة عن العمل ، تحاول روسيا تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط  . ورأى هؤلاء الخبراء ، حسب الموقع ، أن هدف زيارة لافروف إلى الخليج هو تحديد معالم عمل إدارة بايدن في المنطقة ، إذ قالوا أنه "بينما يتباطأ الرئيس جو بايدن في إبراز وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، تحاول موسكو تحديد الإدارة الجديدة ، وكيف يمكن تعزيز نفوذها في المنطقة" . كما أكدوا ، أن إهتمام موسكو المتزايد بدول الخليج برز بنتيجة آثار وباء الكورونا ، والأزمة الإقتصادية ، وكذلك لأن دول الخليج ، وعلى مدى سنوات طويلة ، هي سوق لصادرات السلاح من الغرب . 

صحيفة "NG" شبه المحايدة ، توافق على ما ذهب إليه الخبراء الأتراك ، وعنونت نصاً بشأن الزيارة بقولها " انشوطة لافروف حول الخليج . وزارة الخارجية الروسية تستغل أخطاء بايدن" نشرته في 14 من الجاري . كتب النص مدير مركز"اوروبا والشرق الأوسط" في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية ألكسندر شوميلين ، الذي يقول ، بأن الزيارة لم تكن زيارة عمل ، كما حددتها الخارجية الروسية ، ولا مفاجئة كما وصفتها المواقع الإعلامية  ، بل هي  زيارة تم التخطيط لها منذ زمن بعيد مع موعد مفتوح لإتمامها ، "أملته" بسلوكها إدارة جوزيف بايدن . 

ويقول شوميلين ، بأن لموسكو في المنطقة أجندتها ، التي يتمثل هدفها الرئيسي في إستعادة مستوى الثقة في علاقات روسيا مع دول الخليج ، التي قطعتها الأزمة السورية بالدرجة الأولى ، ورفعت مستوى تعقيدها مقاربة مشكلة اليمن ، وكذلك إنقسام مجلس التعاون الخليجي . وقد نضجت هذه الأجندة منذ زمن بعيد ، لكن ما حال دون تنفيذها في نصف السنة الأخيرة ، هو نشاط الدبلوماسية الأميركية ، التي حققت النجاح تلو الآخر ، ليس بالمنافسة المباشرة مع الخارجية الروسية ، بل بخلق واقع سياسي جديد في المنطقة. وفي طليعة الإنتصارات تأتي، برأيه "إتفاقيات إبراهيم"، التي أصبحت بموجبها الولايات المتحدة ضمانة تحالف عربي إسرائيلي غير مسبوق موجه ، بالطبع ، ضد إيران . 

يقول شوميلين ، بأن زيارة لافروف بمجملها كان يخيم عليها همّ المأساة السورية ، ويؤكد ، أنه قبل أسبوع من وصول لافروف إلى الخليج ، زار الرياض المبعوث الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتيف لبحث تفاصيل "الملف السوري . ويرى ، أن إجتماع قطر الثلاثي بين روسيا وقطر وتركيا قد خلق منصة جديدة إلى جانب منصة أستانة . ويعتبر أن دول الخليج تتقرب تدريجياً من الأسد ، و"تتنافس عليه" ، بعد أن كانت "تتنافس على سوريا" ، وتعده بمشاركة وازنة ، في حال إنفصل عن إيران ، وهي تعزز بذلك موقف الأسد. 

ويختتم الكاتب نصه بالقول ، بأن "الأسد القوي" في مثل هذه الحال يجبر موسكو على أخذه بالحسبان ، فإذا كان في العام 2015 معلقاً كلياً بروسيا ، يصبح من غير المفهوم كلياً في هذه الحالة ، من يصبح معلقاً بالآخر . لكن إلى أي حد نجحت زيارة لافروف في تحسين صورة موسكو وموقعها في الخليج ، الوقت وحده يتكفل بالجواب . لكن التسوية السياسية السورية لم تتحرك من موقعها المأزوم ، ومن المؤكد ، أن طهران ليست سعيدة بالمناورة الدبلوماسية ل"حليفها المقاتل" في سوريا .