مواقف بكركي بلا خطة

مهند الحاج علي
الإثنين   2021/03/01
لم تحمل مواقف البطريرك الراعي في بكركي يوم السبت الماضي، رغم أهميتها، أي جانب تنفيذي لترجمتها على الأرض. ذاك أن الكلمة لم يسبقها حراك سياسي باتجاه تشكيل جبهة أو ائتلاف أو حتى طاولة حوار ما، ولم تترافق مع مواقف دولية مؤيدة. ماذا ستفعل بكركي في اليوم التالي أو الأسابيع المقبلة بعد هذه الكلمة؟ ومن سيحضر المؤتمر الدولي وتحت أي عنوان؟ هذه كلها أسئلة بلا أجوبة.

والواقع أن بكركي اليوم غير قادرة على لمّ الشمل الماروني، ناهيك عن لعب دور على الساحة السياسية، يحظى بتوافق الأطراف. حتى ضمن الكتلة المعارضة لـ"حزب الله"، يبرز تنافس أو حساسيات بين حزب "القوات اللبنانية" من جهة، وبقية القوى ومنها "الكتائب"، من جهة ثانية. ومثل هذا التشظي السياسي، لا يسمح لمرجعية دينية بلعب دور على مستوى تنظيم مؤتمر دولي تحضره دول كبرى لاتخاذ قرارات مصيرية بشأن لبنان، وحشد الدعم لمواجهة الميليشيات أو السلاح خارج سيطرة الدولة.

الراعي طلب من المؤتمر الدولي قرارات مصيرية لا تنحصر بلبنان فحسب، بل تشمل أيضاً الحرب السورية والصراع العربي الإسرائيلي (ضمانات لمنع توطين الفلسطينيين). بالنسبة للبنان، طالب الراعي بأن يُعيد المؤتمر الدولي تثبيت حدود لبنان، وتنفيذ القرارات الدولية بشأنه.

باختصار، من المطلوب عقد مؤتمر دولي ينتهي الى سحب سلاح "حزب الله" والمخيمات، ومن ثم يُعلن حياد لبنان بتفويض أممي ودون قرار سيادي (الحكومة والبرلمان)، وبعدها يضع حلاً للأزمة السورية ويُعيد اللاجئين بالاتفاق مع النظام، على أن يترافق ذلك مع عكس عقارب الساعة في الصراع العربي-الإسرائيلي وإعادة اللاجئين الفلسطينيين.

لا يملك المجتمع الغربي القدرة (والإرادة كذلك) على حل أي مما سبق، بل لا توجد سوابق على هذا المستوى، إلا إذا كُنّا نتحدث عن تدخل دولي لوقف حرب تُرتكب فيها جرائم ضد الإنسانية (البوسنة ربما، وهذه حالة خاصة كونها في أوروبا). والأرجح أن ما كان مستبعداً في سوريا خلال العقد الماضي، بات ربما مستحيلاً اليوم.

في السياسة، بالنسبة للولايات المتحدة وأغلب الدول الأوروبية، "حزب الله" تنظيم إرهابي مُدان بوجوده، ولا خلاف على ضرورة نزع سلاحه، بل هم يذهبون أبعد من ذلك، أي الى المطالبة بحله نهائياً. لكن السؤال الذهبي هنا، من يفعلها؟

بالإمكان طبعاً عقد عشرات المؤتمرات، لتخرج ببيانات دعم وتضامن، لكن أحداً لن يتخذ قراراً تنفيذياً على هذا المستوى.

لكن هذا لا يعني أن خطاب بكركي لن يُترجم نهائياً في السياسة. بل بالإمكان الحديث عن خطوتين. الأولى، الضغط على فريق التيار الوطني الحر ومن ورائه "حزب الله" من أجل تشكيل الحكومة، وتحميلهما مسؤولية التأخير. بيد أن موقف بكركي اليوم يُحرج بعبدا ويضعها في دائرة الضوء لجهة التقصير في تشكيل الحكومة، ورفع منسوب الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية الى حد يُهاجر معه الآلاف.

تشكيل الحكومة يُمثل خطوة أولى على طريق إدارة الأزمة والتخفيف من وطأتها.

ثانياً، بإمكان بكركي البناء على موقفها الواضح من السلاح خلال المراحل المقبلة من المبادرة الفرنسية، إذ أن الأخيرة ليست مُغلقة وتشمل شروطاً سياسية واصلاحية مقابل أي مساعدات أو استثمارات لانتشال لبنان من أزمته. وبالإمكان، في ظل التفاوض حول شروط المنح والقروض، أن يُطالب بطرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية على بساط البحث، بما أن بكركي اعتبرت السلاح خارج الدولة، أحد عراقيل التنمية الاقتصادية.

لكن غياب خطة عمل واضحة وفي ظل التبدلات السياسية السريعة واحتمالات إعادة تدوير الكلام واستيعابه من خلال التواصل مع بكركي، يخففا من النتائج السياسية للموقف،  وقدرته على تبديل الواقع، ويجعلانه فحسب تعبيراً عن الضيق حتى اشعار آخر.