في جدوى إتهام إسرائيل

ساطع نور الدين
الأحد   2020/08/09
الحريق في مرفأ بيروت قبل الانفجار - الوكالة الوطنية للإعلام
الرئيسان ميشال عون ودونالد ترامب هما الوحيدان اللذان ألمحا الى إحتمال أن يكون إنفجار مرفأ بيروت ناجماً عن هجوم متعمد. لم ينتبه أحد الى كلام الرئيس عون الصادر قبل يومين، ولم يؤخذ على محمل الجد كلام الرئيس ترامب الذي سارع الى نقضه بعدما شكك به البنتاغون، وبعدما غضب منه الاسرائيليون، وتواصلوا مباشرة مع البيت الابيض للتراجع عن هذا الموقف الخطير.  

بعض المواقف الواردة من طهران دفعت فكرة الهجوم المتعمد الى الحد الاقصى، ووجهت أصابع الاتهام الى إسرائيل، برغم ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله نفسه تفادى في خطابه الاخير توجيه أو تبني مثل هذا الاتهام، الذي يشكل سبباً كافياً لإشعال حرب يتمناها الايرانيون كما يبدو، ويخشاها اللبنانيون في غالبيتهم الساحقة بلا أدنى شك، وما زال الحزب يدرسها بتمعن شديد.

إتفاق عون وترامب الأولي على فرضية الهجوم المدبر، يعني بالضرورة أنهما كانا يريدان تسليط الاضواء على إسرائيل. قد يكون الرئيس اللبناني قصد أن الانفجار تم بواسطة النازحين السوريين او اللاجئين الفلسطينيين الذين كبدوا الاقتصاد اللبناني 50 مليار دولار طوال السنوات العشر الماضية، على نحو ما أشار صهره جبران باسيل في لقائه الرئيس ايمانويل ماكرون.. وقد يكون الرئيس الاميركي قصد ان الايرانيين او حزب الله يقفون وراء التفجير الذي لم يكن يحيله الى إسرائيل ولم يكن يحمل الاسرائيليين مسؤوليته.

 والحال ان توجيه التهمة بإسرائيل، إستناداً فقط الى دورها المعلن في معظم تفجيرات وحرائق إيران الاخيرة، ما زال يحتاج الى الكثير من التحقيق والتدقيق في أسباب ذلك الحريق الهائل الذي إشتعل في العنبر الرقم 12 من مرفأ بيروت وظلت ألسنته تتصاعد لمدة تزيد عن عشر دقائق، ثم كانت شرارة الانفجار المدمر الذي قوض التركيبة السكانية للعاصمة، وغيَر معالمها العمرانية.. وترك آثاراً لا تمحى عن وجه لبنان برمته.

حتى يثبت العكس، من المفيد أن يظل تورط إسرائيل في الانفجار وارداً، كفرضية على الاقل، إستناداً الى تجارب التاريخ والعداء والمصلحة وحالة الحرب التي يعيشها لبنان..من دون يلغي ذلك، الاعتقاد السائد في مختلف أنحاء العالم بالخطأ والاهمال والفساد اللبناني الذي لا شك فيه، ولا علاج له، ولن يسفر في نهاية المطاف سوى عن معاقبة عدد من صغار المسؤولين عن إدارة مرفأ بيروت وعنابره ومحتوياته.

تلك الفرضية، تصوب في الحد الادنى جانباً مهماً من النقاش الداخلي المتعجل في الفرز والاستقطاب السياسي، الذي ليس له سند على أرض الواقع، وتؤدي في نهاية المطاف الى خدمة الغرض نفسه من الحملة المتسرعة على حزب الله، بصفته صاحب المتفجرات المشبوهة التي كانت في العنبر رقم 12، وهو ما لم يشتبه به أي جهاز إستخبارات أجنبي، أو حتى إسرائيلي، أو بصفته المسيطر على المرافىء والمعابر والمطارات والمؤسسات..برغم أنه يفقد هيمنته على الضاحية الجنوبية ومداخلها وأجوائها المغطاة هذه الايام،  وعلى مدار الساعة، بالطائرات الاسرائيلية المسيّرة.

الإشتباه بالعدو الاسرائيلي لا يؤدي حكماً لا الى حرب جديدة مدمرة مثل حرب العام 2006، التي يعرف الجميع أن حزب الله لم يعد يستطيع خوضها..ولا يؤدي بالضرورة الى تعزيز التحالف مع نظامي بشار الاسد والسيد علي خامنئي. الارجح هو العكس تماما، بدليل حملة التضامن والتعاطف العربي والدولي الواسعة التي تهدف في جوهرها الى فك الارتباط اللبناني مع دمشق وطهران، او على الاقل الى تقوية المناهضين اللبنانيين لذلك الارتباط.

الاشتباه بإسرائيل، حتى ولو كان مفتعلاً، مفيدٌ أكثر من البحث عن أدلة على أن حزب الله أحرق نفسه وخزّن متفجراته وصواريخه علنا في العنبر 12، ثم فجّر المخزن أو تسبب بإنفجاره، فهدد رئيساً وحكومة شارك في إختيارهما... ومفيدٌ أكثر بكثير من ذلك الغضب الشعبي الشديد من الكارثة، الذي لم يستطع ان ينزل الى الساحات ما يزيد عن عشرين ألف متظاهر، في يوم كان يتوقع ان يكون موعد جنازة جماعية مهيبة تدخل التاريخ اللبناني، وإحتلوا بعض الوزارات من دون ان يكون لديهم أي فكرة عما سيفعلون بها، ورددوا الهتاف السطحي المُطالب برحيلهم "كلن يعني كلن"، علما بأنهم هؤلاء "كلن"ما زالوا يستغربون تباطؤ المحتجين في التوجه الى مطار بيروت المفتوح لمن يشاء الهجرة!