هل قرأت واشنطن رسائل طهران وبيروت

حسن فحص
الأحد   2020/07/12
خطابان يمكن وصفهما بالمفصليين شهدتهما الايام القليلة الماضية، وأتيا من طرفي "محور المقاومة" الأبرز، الاول جاء يوم الاحد في الخامس من هذا الشهر (تموز/ يوليو 2020) من طهران قدمه كبير المفاوضين جنرال الدبلوماسية الايرانية الوزير محمد جواد ظريف أمام نواب البرلمان الجديد الذي يسيطر عليه التيار المحافظ بكل اجنحته خلال جلسة كانت مخصصة لسؤاله عن الاثار السلبية للاتفاق النووي ومحاولة تحميله مع الرئيس حسن روحاني مسؤولية ما انتهت اليه الامور مع واشنطن والحصار الاقتصادي، اضافة الى التداعيات التي يمكن ان تنشآ عن التفجير الذي تعرضت له درة البرنامج النووي- منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. والثاني جاء بعد يومين في السابع من الشهر نفسه ألقاه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وهاجم في الشق الأخير منها نشاط السفيرة الامريكية في بيروت دوروثي شيا وتصريحاتها التي إعتبرها تدخلا في الشأن الداخلي اللبناني وتحميل حزب الله مسؤولية ما آلت إليه الاوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان. 

ما جاء في كلام ظريف امام البرلمان يستدعي التوقف عنده مليا، خصوصا وانه قال اشياء من دون ان يأتي على ذكرها في الكلام الذي وجهه للنواب الذين هتفوا متهمينه بالكذب، فهو في الدرجة الاولى افهم المجتمعين على استجوابه وتوجيه الاهانة له، بان الامور التي يتحدثون عنها تقع خارج صلاحياتهم وقدرتهم على الفهم، وان اي من الخطوات التي قام بها في اطار التفاوض حول الملف النووي وتحديدا مع الجانب الامريكي كانت تجري بعلم وموافقة المرشد علي خامنئي، وان كل التعهدات التي التزمت بها طهران كانت بموافقة من المرشد ودائرة القرار المعنية بالمصالح الاستراتيجية للنظام.

اسلوب التعامل الذي اعتمده ظريف مع النواب الجديد كان بمثابة اتهام لهؤلاء الذين يمثلون التيار المحافظ بكل أجنحته بانهم "يقامرون" بالانجازات التي حققتها الدبلوماسية الايرانية في اطار المصالح الاستراتيجية العليا للنظام وتوظيف السياسات التي يمارسونها مع الحكومة ومع الاتفاق النووي في الصراعات الداخلية، وانه لم يحمل ايران والنظام اي التزامات مستغلا الصراعات الداخلية، بل عمل على تأمين مظلة دبلوماسية لجميع انشطة ايران في الخارج والحفاظ على مصالحها الاقليمية ومصالح حلفائها بالتنسيق المباشر والدائم مع المسؤول الاول عن الملفات الاقليمية الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس ومع الامين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله وقيادات الفصائل الفلسطينية القريبة من ايران. بما يكشف عن المروحة الواسعة التي شملتها اروقة التفاوض النووي مع القوى الكبرى خاصة واشنطن وما دار فيها من مباحثات وتفاهمات حول هذه الملفات وكيفية التعامل معها وفيها وتوزيع الأدوار بين طهران من جهة وهذه العواصم من جهة اخرى. 

من هنا تأتي اهمية الفقرة الاخيرة في الخطاب الذي القاه الامين العام لحزب الله يوم السابع من يوليو/ تموز. وهنا لا بأس من الاشارة الى ان نصرالله قد اتقن فن تمرير الرسائل بان مهد لها بالحديث عن الثورة الزراعية والصناعية التي تحولت الى ملهاة ومثار ردود افعال جميع الاوساط السياسية والاعلامية والاجتماعية الموالية والمعارضة والتي انشغلت في التسويق لها او التعليق عليها. الا ان الرسائل التي وجهها حملت الكثير من علامات التساؤل في مدلولاتها وابعادها على الرغم من انه وعد بتشريحها في الايام المقبلة، الا انها لا شك كانت محل اهتمام لدى الدوائر المعنية الاستراتيجية والامنية والسياسية محليا واقليميا ودوليا وتحديدا من قبل واشنطن المعني الاول بهذه الرسائل مع تل ابيب.

نصرالله اراد ان يكون واضحا عندما قال "سأتكلم كلاماً يمكنكم أن تحللوه علمياً وهذا ليس بكلام شعارات"، ولم يفصل ما يحدث في لبنان وما يواجهه من ضغوط امريكية عما يجري في المنطقة عندما اشار الى ان  السياسة التي تتبعها واشنطن تجاه لبنان "مثل كل ما حصل في المنطقة"، مقدما نصيحة للادارة الامريكية بان هذه الاجراءات "لن تضعف حزب الله بل هي تقويه، وستضعف حلفاءكم ونفوذكم"، واضعا نتائج هذه السياسات ومآلاتها في خدمة المحور الذي ينتمي له وبالتالي ستساهم في جعل الفئات اللبنانية تقع في حضن "المقاومة وحلفائها المحليين و الإقليميين.. والدفع بلبنان ليكون بالكامل بهذا المحور وبهذا الفريق". 

رسائل نصرالله وان اتخذت طابع النصح للطرف الامريكي، الا انها تتلاقى مع الرسائل التي وجهها ظريف من طهران، وكأنها تأتي من مصدر واحد وتنسيق مباشر في التأكيد على رغبة طهران والضاحية للعودة الى قواعد الاشتباك الاولى والابتعاد عن الخيارات المرة والتي قد تطيح بكل شيء في حال وصلت الى حرب عسكرية مباشرة ومفتوحة، خصوصا في الساحات الاساسية التي تشكل مفاتيح المواجهة حاليا بين الطرفين في العراق ولبنان وفلسطين من خلال اشارة ظريف للتنسيق مع سليماني ونصرالله او في اشارة نصرالله الى الرسائل المتبادلة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية بعد رسائل متبادلة بين الاخير والمرشد الايراني. 

العودة الى مبدأ الشراكة في الملفات التي اشار لها نصرالله وظريف، قد تعني عدم رغبة المحور الايراني بالذهاب الى خيار المواجهة المفتوحة بما فيها الحرب، وان المجال مازال مفتوحا للتوصل الى تفاهمات تعيد الامور الى ما كانت عليه ما قبل السنوات الثلاث الاخيرة، بان يكون لواشنطن افضلية على الساحة اللبنانية بشراكة ايرانية وحزبية، والعراق بافضلية ايرانية بشراكة امريكية، او العكس بناء على مسار التفاوض الذي تقع عليه مسؤولية تحديد نسبة كل طرف في هذه الشراكات، وان تعاد الحياة الى القضية الفلسطينية من خلال العودة الى حل الدولتين على ان تكون الدولة الفلسطينية دولة نافذة وقادرة على الحياة. اما في ما يخص الملف السوري فان الامور على هذا المسار قد خرجت من دائرة المواجهة المباشرة بسبب تعدد اللاعبين، فضلا عن تأكيد محور طهران- حزب الله انتهاء المعركة العسكرية وتحقيق الانتصار فيها بانتظار ما ستؤول اليه المفاوضات السياسية. 

من هنا يمكن فهم الكلام السابق لامين عام الحزب حول صعوبة ان يحكم طرف واحد لبنان على حساب الاطراف الاخرى، وكذلك فهم الخطابات التصعيدية التي كان يلجأ اليها ما بين عامي 2013 و2015 ورفع مستوى التهديد لتل ابيب بالتزامن مع اي تعثر او طريق مسدود كانت تصل اليه المفاوضات النووية بين طهران ومجموعة 5+1 بالتناغم من تصعيد مشابه كان يلجأ اليه المرشد الايراني لتعزيز مواقف المفاوض الايراني.