يطحنون الناس بالدولار والاعلام!

مهند الحاج علي
الجمعة   2020/04/24
نقف اليوم أمام موجتين عاليتين، الأولى اقتصادية-اجتماعية والثانية سياسية. خلف الموجة الأولى، يُحلق سعر صرف الدولار عالياً، ومعه سعر السلة الغذائية وقدرة المواطن على تأمينها. خلال أسابيع وربما أيام، سيفقد راتب الدولة قيمته الشرائية. المليون ليرة التي كانت توازي حوالى 660  دولاراً، صارت 250 فقط، وستنحدر مجدداً ولن تكفي عائلة صغيرة لأكثر من أسبوع. هل سيؤدي موظفو الدول وظائفهم في ظل هذه الضائقة؟ لا بد أن يرافق هذا الإنهيار في القدرة الشرائية، تراجع في الأمن على أن يتحول إلى "سلعة" أو "خدمة" توفرها الأحزاب السياسية، تماماً كما حصل في "بروفة" الكورونا الاستعراضية.

المساعدة الخارجية باتت أكثر صعوبة، إن لم تكن مستحيلة. بات واضحاً في ظل أزمة الكورونا العالمية، أن الدول المانحة أكانت في الغرب أم في العالم العربية، منشغلة بإنعاش اقتصادها وإغاثة شعوبها. حتى "صندوق النقد الدولي" يُعاني اليوم من ضغط شديد على الموارد المالية واصطفاف عشرات الدول للحصول على قروض ميسرة. لم نعد وحدنا، والسلطة السياسية المتحكمة برقابنا تهدر الوقت والفرص بقدر المال، ولا مسؤولية لديها حيال أحد. الانهيار المتواصل يتحول الى مادة للسجال السياسي، وليس حافزاً للإسراع في الإجراءات الانقاذية المطلوبة. 

ألمانيا، وهي أكثر الدول الأوروبية قدرة على المساعدة المالية، اتخذت للتو قراراً صعباً على المستويين المالي والشعبي، بمساعدة الدول الأكثر تضرراً في الإتحاد الأوروبي للنهوض باقتصادها بعد الكبوة الكبرى.

طبعاً، ليس بإمكاننا طرق أبواب الدولة الخليجية، أولاً لأن لديها مشكلاتها الاقتصادية نتيجة انتشار الفيروس وانخفاض سعر النفط، وثانياً نتيجة الخيارات السياسية والإقليمية لـ"حزب الله". هذه الأبواب موصدة أمامنا بأقفال مُعقدة لا يُمكن فكها، وعلينا أن ننسى وجودها.

الموجة الثانية هي سياسية. القوى السياسية على ضفتي الانقسام الحالي، وهو مصطنع ومرحلي، تعمل على وضع أجندة التحرك على الأرض. من جهة، سيحشد الثنائي الشيعي مع بعض القوى اليسارية أمام مصرف لبنان، في حين يتجه "الاشتراكي" و"المستقبل" و"القوات" إلى خوض مواجهة ضد الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب، مع ثلة مع جمهور الثورة. الطرفان، ومعهما أبواق اعلامية وصحافيين من اللاهثين وراء "سيلفي" أو وجبة مع الزعيم، سيتهمان بعض "الثورة" بدعم الجانب الآخر، ويرمونها بشتى الاتهامات السياسية. إنها معركة رابحة على مستويين لدى السلطة السياسية بكافة أقطابها. يُحددون عناوين الصراع في المرحلة المقبلة من جهة، ويُسيسون الثورة وقواها وفقاً لها لسحب البساط الشعبي من تحتها، والتخفيف من أي تهديد تُمثله لهم. الإعلام في هذه المواجهة أساسي، لذلك علينا مراقبة أداء الصحافيين المحسوبين على السياسيين والقوى الأساسية فيه، إذ سيؤدون أدواراً محورية في التحريض على الثورة وفبركة الاتهامات ضدها.

الانهيار الأمني هنا عامل مساعد للطبقة السياسية وأركانها. ستوفر الأمن للمجتمعات على القطعة، وكـ"خدمة" لمريديها. ولا يُستبعد أن تعمل على تأجيج حدة الصراع والعنف فيه لإخراج قوى الثورة، وهي ما زالت طرية العود وغير مُنظمة في التنسيق بينها وفي بلورة خطاب موحد.

من الضروري في المرحلة المقبلة ألا ننسى تاريخنا القريب. هذه القوى السياسية متآلفة في ما بينها، وترتبط بشبكة مصالح وأثبتت مرات أن لديها القدرة على الائتلاف والتصالح، تماماً كقدرتها على التخريب والصراع والتأجيل والنهب. كما علينا أن نتذكر ارتباطات بعض الناطقين باسم هذه الطبقة، وخلفيات تحريضهم وأهدافهم. على الثورة والقوى المستقلة أن ترسم مسارها بعيداً عن القوى السياسية، وأن تُشير بوضوح الى مسؤولية الطبقة السياسية جمعاء بعيداً عن الخطاب الآذاري التافه، أو الشعبوية الباحثة عن كبش محرقة مثل رياض سلامة، شريك هذه السلطة وأداتها. 

المواجهة المقبلة مع نصّابي السلطة وزبانيتهم مسرحها الشارع والإعلام أيضاً.