الصراع على اللقاح

مهند الحاج علي
الإثنين   2020/03/16
لم تمر أسابيع قليلة على تفشي فيروس الكورونا (COVID 19)، حتى بدأ السباق على اللقاح . دول عديدة كانت في صدارة الإعلان عن الإسراع في تطوير لقاح والاستعداد لفحصه على البشر، ذلك أن في الاكتشاف رسالة سياسية ستجد أصداءها الإيجابية في العالم.

ربما لهذا السبب كانت إسرائيل من الدول الأولى التي تُعلن أكثر من مرة تطوير لقاح للفيروس. يوم السبت الماضي، نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن معهد الأبحاث البيولوجية أن هناك اختراقاً مهماً في فهم ميزات فيروس الكورونا و"آلياته البيولوجية"، والعمل على اكتشاف سبل أفضل لتشخيصه وتطوير علاج ولقاح له. لكن الأنباء المتتالية من إسرائيل سياسية-دعائية بإمتياز، ولا أدلة علمية عليها، بدليل أن الاعلام الدولي لم ينقل الادعاءات الإسرائيلية، ولم يأخذها على محمل الجد. "هآرتس"، وإن نقلت عن مصادر طبية ادعاءها بأن هناك اعلاناً وشيكاً عن اكتمال تطوير اللقاح، تحدثت عن شهور طويلة من الاختبار قبل توفير اللقاح والعلاج لمن يحتاج اليه. وأيضاً نقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية نفياً للتوصل إلى لقاح، وأن تطوير اللقاح، لو حصل، سيحتاج الى وقت طويل.

إسرائيل، وهي تملك قدرات علمية متقدمة بطبيعة الحال، ليست وحدها في السباق. مسؤولون صينيون صرحوا أيضاً بأن لقاحاً للفيروس سيصير جاهزاً للاختبار خلال أسابيع قليلة، أي في نيسان (أبريل) المقبل. مدير المفوضية الوطنية للصحة في الصين جينغ جونغواي قال لصحيفة "ذي أوستراليان" الأسترالية إن أحد اللقاحات سيصير جاهزاً للاختبار وللاستعمال الطارئ في نيسان (أبريل) المقبل. وهناك أيضاً تقارير عن عقد وقعته الأكاديمية الصينية للعلوم مع شركة بريطانية من أجل تطوير اللقاح على أن يبقى في الصين خلال الفترة الأولى، قبل تصديره للخارج.

الصين هنا تحولت من الموقف الدفاعي في خصوص التعاطي مع الفيروس، إلى التأرجح ما بين الهجوم واقتناص الفرص. ذاك أن بكين باتت تحصد الإشادات الدولية بعد تقرير ايجابي لمنظمة الصحة العالمية في شأن احتواء الفيروس على أراضيها. كما توفر الصين مساعدات لدول عديدة بينها العراق ولبنان في منطقتنا، من أجل اجراء فحوص أسرع للفيروس. بات ارسال الفحوص الصينية الى دول ترتبط بعلاقات جيدة مع بكين، رديفاً لدبلوماسية دب الباندا (كانت الصين تبعث دبب الباندا لتمضية سنة أو سنتين في حدائق حيوانات دول صديقة في بادرة دبلوماسية وعلاقات عامة).

لكن الإعلانات الصينية لا تحظى بالاهتمام الكافي في العالم الغربي، ربما نتيجة غياب الصدقية أو لأن طريقة مقاربة اللقاح مختلفة. وهناك مقاربات عملية مختلفة لتطوير اللقاح، تتراوح بين استخدام الفيروس نفسه بعد ابطال قدراته أو التخفيف منها (وهذه تحمل بعض المخاطر)، وبين محاكاة التركيبة الجينية للفيروس من أجل التخفيف من احتمالات المرض، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ذي غارديان".  

ألمانيا أيضاً في قلب هذا السباق من أجل تطوير اللقاح.

بحسب صحيفة "فيلت أم زونتاغ" الألمانية، هناك نزاع أميركي-ألماني حيال الحصول على حصرية لقاح تطوره شركة "كيور فاك" في ألمانيا. ووفقاً للتقرير ذاته، تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً للحصول على اللقاح وحصر استخدامه في الولايات المتحدة، في حين نجحت ألمانيا في افشال هذه المحاولة رغم الاغراءات المالية.

هذه المقاربة الحصرية للقاح مقلقة. ذاك أن عملية تطوير اللقاح تحتاج إلى شهور، أي أنها ستنتهي في أحسن الأحوال قبل الخريف المقبل حين يُحتمل تجدد الوباء في موجة ثانية. وأي حصر لتوزيع اللقاح بدولة معينة مثل الولايات المتحدة أو الصين، يعني حتماً تأخر وصوله إلى بقية أنحاء العالم. بكلام آخر، قد تطال الموجة الثانية من الفيروس الدول النامية، قبل أن يصل اللقاح اليها.