هكذا تُكافح الكورونا

مهند الحاج علي
الجمعة   2020/03/13
وصل المسافرون من إيران، وهو بلد موبوء بفيروس الكورونا. لكن الفاحصين في مطار رفيق الحريري في بيروت، لم يفحصوا حرارة المسافرين بالكامل، بل اختاروا عدداً قليلاً منهم على عجل. أليس هذا دليلاً على استهتار بصحة الناس؟

بيد أن احتواء خطر الفيروس يتطلب إجراءات فوق العادة. ربما لهذا السبب قررت إيران كسر الجرة التخوينية-التكفيرية، وطلب قرض بخمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، للمرة الأولى منذ عام 1962. لماذا تحتاج مكافحة الفيروس إلى هذا المبلغ الهائل للمكافحة؟

النموذجان، الصيني، وهو الأقدم والأكثر فاعلية، والإيطالي، وهو الأبطأ والأكثر اتساعاً، يُوفران نافذتين حيال كيفية التعاطي مع هذا الوباء العالمي.

وفقاً لتقرير لمنظمة الصحة العالمية في 28  شباط (فبراير) الماضي، نشرت مجلة "ساينس ماغازين" مقتطفات منه، أطلقت الصين "جهوداً للاحتواء هي الأكثر طموحاً وهجومية وسرعة في التاريخ". ربما الأكثر شراسة من هذه الإجراءات أو الجهود كان إغلاق ووهان والمدن القريبة منها في المحافظة، أي أن خمسين مليوناً وُضعوا في حجر صحي جماعي.

في مقابل هذه الجهود، ووفقاً لمقابلة إذاعية لصحيفة "نيويورك تايمز"، نفذت السلطات الصينية حملة أوسع نطاقاً شملت مسألتين، الأولى الفحص، والثانية هي التحري عن الاتصال. في القضية الأولى، نشرت السلطات الصينية نقاطاً لفحص حرارة المارة في الأحياء وفي مرائب السيارات وأمام المصانع وفي الشوارع الأساسية. وهنا، كانت الإجراءات الاحترازية قاسية، لا بل غير إنسانية وفقاً للبعض. إذا أظهر الفحص حرارة عالية بعض الشيء دون اكتمال العوارض الأخرى، يُنقل المريض المشتبه به سريعاً الى أماكن حجز مُخصصة لمن لم تُثبت إصابتهم بالمرض. حتى لو كان المريض المشتبه به طفلاً، يُؤخذ من عائلته للتأكد من إصابته او عدمها. وفي حال تبينت إصابة الطفل أو أي فرد بالغ في العائلة، بفيروس الكورونا، تُوضع العائلة بأسرها في الحجر الصحي ولا يُسمح لها بمغادرة المنزل. استخدمت هنا الحكومة الصينية تطبيق "وي تشات" للدردشة، من أجل تصنيف الناس كمصابين أو مشتبه بإصابتهم، ومراقبة تحركاتهم. التطبيق يُشبه الواتس أب لناحية انتشاره، مع فارق أن "وي تشات" يُستخدم للدفع وفيه بيانات كل الناس، وبالتالي من السهل مراقبة تحركاتهم من خلاله.

في المسألة الثانية، كلما شخصت السلطات الصينية مصاباً بالفيروس، فتح العامل الصحي تحقيقاً مُفصلاً وطويلاً لمعرفة شبكة الأشخاص الذين اتصل بهم جسدياً، لناحية الاختلاط. هل صافح أحدهم أو تواجد في المكان ذاته معهم؟ أي مطاعم أو مقاهي ارتادها وفي أي أوقات. التحقيق شامل، ويؤدي الى تصنيف دائرة المشتبه بهم، ومعرفتهم من خلال التطبيق عينه وتحركاتهم المرصودة فيه. وبالتالي يُبدل تصنيف الشخص الذي احتك بالمريض الى مشتبه به، ويُبلغ عبر التطبيق بحالته وبالقيود الجديدة على حركته. ومن أجل ضمان تطبيق القيود على الحركة بشكل فاعل، عُين مسؤولون محليون لمتابعته والتأكد من تطبيقه بشكل صحيح في كل منطقة على حدة. وتولت السلطات تنفيذ عمليات تطهير للأماكن العامة للحد من انتشار الفيروس.

تقف هذه القيود والاجراءات الشمولية وراء نجاح الصين في الحد من الارتفاع الحاد في الإصابات بين الناس، وتتجه الى احتواء سريع للفيروس بعد تلكؤ في الأسابيع الأولى نتيجة المخاوف من الانعكاسات الاقتصادية. 

كوريا الجنوبية حذت الحذو نفسه، وتتجه إيطاليا الى إجراءات مشابهة. الخوف هو على انتشار الفيروس في الدول النامية، وهي، كلبنان مثلاً، غير قادرة على توفير الإمكانات المطلوبة لمواجهة المرض. هل بإمكان لبنان المُفلس مالياً وسياسياً الذي فشل في إدارة سجونه لضعف الموارد، أن يضع آلافاً في مراكز الحجر الصحي ويُطعمهم يومياً لأسابيع؟

أقل الايمان كان فحص الوافدين الى المطار، وهو لم يحصل، ولا بد أن نحصد نتائجه.