وداعاً أيها الحياد

مهند الحاج علي
الإثنين   2020/01/06
مثّل خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في حفل تأبين قائد فرقة القدس في "الحرس الثوري الإيراني"، نقطة افتراق مفصلية في السياسة الداخلية لـ"حزب الله".

ذلك أن التنظيم دأب منذ سنوات على محاولة إيجاد توازن مع الداخل المغاير، عبر صفقات شملت قبولاً ولو على مضض بعلاقة مع الولايات المتحدة، وبمساعداتها الأمنية والعسكرية. ورغم فوز التنظيم وحلفائه الـ8 آذاريين بانتخابات العام الماضي، بقيت الأولوية تشكيل حكومة وحدة وطنية ولو بكلفة عالية. لكن اليوم، خُلعت القفازات، ولم تعد محاولات تدوير الزوايا تنفع. ويبدو أن الحزب سيخوض المواجهة ولو عن بعد.

ذلك أن نصر الله رسم بوضوح هدف العملية الانتقامية لدماء سليماني، من دون أن يستثني لبنان. شدد على أن "قاسم سليماني ليس شأناً ايرانياً بحتاً بل يعني كل قوى المقاومة في المنطقة"، ولدى "محور المقاومة" مسؤولية حياله. "القصاص العادل" بالنسبة لنصر الله هو "الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، القواعد العسكرية، البوارج العسكرية الأميركية، كل ضابط وجندي أميركي على أراضينا، الجيش الأميركي هو من قتل وهو من سيدفع الثمن".

وهذا الموقف يطرح أسئلة حيال مصير برنامج المساعدات العسكرية الأميركية الى لبنان، سيما أن هناك مستشارين وخبراء عسكريين أميركيين على الأراضي اللبنانية لتطوير المؤسسة العسكرية وبناء قدراتها. لم يستثن الحزب لبنان من دائرة الرد على اغتيال سليماني، ولو بالتلميح. وهذا الموقف الملتبس قد يودي ببرنامج المساعدات بأسره، سيما أن هناك جدالاً داخل الإدارة الأميركية حيال جدوى الإستمرار فيه.

سياسياً، لا بد أن تسقط المحاذير القديمة، ولو جزئياً، بما أننا دخلنا مرحلة جديدة تتسم بالدموية وباقتناص فرص الانتقام. وكلام نصر الله عن "المرحلة الجديدة"، أعاد تأكيده قياديان آخران هما نائبه نعيم قاسم ورئيس الهيئة الشرعية في "حزب الله" محمد يزبك. حتى إن قاسم تحدث عن "مسؤوليات اضافية" للتنظيم في المرحلة المقبلة، من دون توضيح ماهية هذا الدور الجديد، وعمّا اذا كان ذلك يعني بأن "حزب الله" سيضطلع ببعض مسؤوليات سليماني بعد رحيله. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو ماذا سيكون موقع لبنان كساحة أو قاعدة نتيجة هذه المسؤوليات الاضافية، والمرحلة الجديدة؟

لا بد أن يظهر دور لبنان في قلب المواجهة بين واشنطن وطهران، في الحكومة المقبلة وإسمي وزيري الخارجية والدفاع فيها. ذاك أن مصادر عونية سرّبت للاعلام بأنها تُفوّض الحزب بالموافقة على إسم وزير الخارجية لأهمية المنصب له في المرحلة المقبلة، وكأن للبنان القدرة على تحمل وزر مواقف عدائية في المنطقة.

بكل الأحوال، بات من الصعب اليوم أن يلتزم لبنان الحياد حيال صراعات المنطقة، حتى لو اقتصر التصعيد على التصريحات. أليس منطقياً أن يحذو لبنان حذو العراق في رفض الوجود العسكري الأميركي أو العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة؟ كيف سيُواصل "حزب الله" (المنوط بهذه المسؤوليات الجديدة) المطالبة بطرد الجيش الأميركي من العراق، من دون رفض وجود مستشاريه في لبنان والعمل على إخراجهم؟

واشنطن، وفقاً لنصر الله، "فشلت" في فنزويلا حيث "نجح" الطرف المقابل. كل الخشية أن يعمل التنظيم على إعادة إنتاج "النجاح الفنزويلي" في لبنان.